بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، لم يعد السؤال حول مصير الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى يتمحور حول احتمالية استمرار واشنطن في هذا الاتفاق، بل حول توقيت انسحابها منه.
الأمر المؤكد أن الملالي كانوا من أكثر الأطراف في العالم قلقاً وذعراً من انسحاب الرئيس ترامب من اتفاقية باريس للمناخ، لأنهم يعلمون جيداً أن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق وقعت عليه أكثر من 170 دولة ربما يمثل حالة يمكن بالتبعية القياس عليها للتعرف إلى مصير الاتفاق النووي!!
صحيح أن الرئيس ترامب قد أثبت للعالم أجمع أنه من طراز مختلف عن سلفه أوباما منذ توليه الرئاسة في يناير الماضي، وأنه قادر على اتخاذ ما يراه من قرارات صائبة، وقد اثبت صرامته عبر صواريخ "توماهوك"التي قصف بها القاعدة العسكرية السورية التي انطلقت منها الطائرات السورية، التي القت بالكيماوي على سكان "الغوطة"، كما أثبت صرامته عبر مواقف عدة اتخذها في العلاقات الدولية، ولكن انسحابه من اتفاق دولي بحجم اتفاق باريس مؤشر كبير على امكانية تكرار الأمر وانسحابه من الاتفاق النووي مع إيران، في حال تبلورت لدى أركان إدراته قناعة استراتيجية كاملة بأن الاتفاق لا يصب في مصلحة الولايات المتحدة، وأن الانسحاب منه أفضل من البقاء، ساعتها لن يكون لدى ترامب أي تردد في اتخاذ قرار الانسحاب الفردي من هذا الاتفاق بغض النظر عن ردة فعل الشركاء الآخرين.
لم يأبه الرئيس الأمريكي لشركاء الولايات المتحدة عند صياغة قرار الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، وبالتالي فليس هناك سبب للرهان على موقف الشركاء في بقاء الولايات المتحدة ضمن الاتفاق النووي الموقع مع إيران.
ولفهم خلفيات قرار الرئيس ترامب بشأن اتفاقية المناخ، علينا أن نتعرف على أهمية هذا الاتفاق التاريخي، فهو يرى هذا الاتفاق بوصفه قاتل للأعمال وخطوة مخادعة خانقة للاقتصاد الأمريكي وغير عادلة تماما، من دول تحاول الاستفادة منها على حساب الولايات المتحدة، والأمر أكثر سوءاً بالنسبة للاتفاق النووي الذي يعتبره ترامب أسوأ اتفاق في تاريخ الولايات المتحدة!
الشىء نفسه ينطبق على التفكير الاستراتيجي الأمريكي بالنسبة لكيفة معالجة موضوع الاتفاقين، فإدارة ترامب انسحبت من اتفاقية المناخ، وعرضت على الشركاء الدوليين رغبتها في إعادة التفاوض بشأنه، وأنها منفتحة على ذلك، أو صياغة اتفاقية جديدة، والشىء نفسه بالنسبة للاتفاق النووي، حيث تحدث مسؤولين في إدارة ترامب أكثر من مرة عن امكانية طرح فكرة إعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي مع إيران لمعالجة ما يرونه خسائر أو أمور سلبية في هذا الاتفاق.
لدى ملالي إيران الآن مايخشونه في مصير الاتفاق النووي، سواء من حيث إعلاء الرئيس ترامب لمبدأ "أمريكا أولاً"، فلم يأبه بغضب الشركاء الدوليين حين قرر الانسحاب من اتفاقية باريس، أو من حيث حزمه في اتخاذ قرارات كبرى من دون القلق من أي ردات فعل أو توابع بخلاف مصلحة الولايات المتحدة.
الكرة الآن في تحديد مصير الاتفاق النووي في ملعب إدارة ترامب، التي ستدرسه بجدية وعناية من دون شك، وإذا انتهت إلى أنه بالفعل يمثل إضرارا بالمصالح الاستراتيجية الأمريكية فسترفع التوصية المناسبة للرئيس ترامب، الذي لن يتردد بدوره في اتخاذ قرار الانسحاب من هذا الاتفاق.
في ضوء هذه المعطيات، يتوجب على دول مجلس التعاون تعزيز التواصل مع مسؤولي الإدارة الأمريكي لكشف خروقات الاتفاق النووي مع إيران وسلبياته على الأمن والاستقرار الاقليمي، والاسهام في بلورة قرار أمريكي يحد من تطلعات إيران الاستراتيجية، التي تفاقمت منذ توقيع هذا الاتفاق، الذي تعاملت معه طهران باعتباره "صكاً"للتوسع والتمدد الاستراتيجي على حساب مصالح دول مجلس التعاون.
وإذا كانت إدارة أوباما قد تجاهلت مواقف وآراء دول مجلس التعاون عند صياغة الاتفاق النووي مع إيران والتفاوض بشأنه، فإن إدارة ترامب لن تكرر نفس الخطأ الاستراتيجي على الأرجح، ولكن علينا الا ننتظر قرار الانسحاب من هذا الاتفاق، لأنه بات قادم لا محالة، ما لم تتراجع إيران وتثبت للإدارة الأمريكية أنها تتعامل بجدية مع تحذيرات واشنطن من سياسات الملالي الحمقاء.