تشير متابعة تطورات الملف النووي الإيراني إلى أن ملالي إيران يشعرون بفزع شديد إزاء تحركات المبعوثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي، التي تحدث كثيرون عن أنها لا تمتلك خبرة تذكر في السياسة الخارجية الأمريكية، وأن خبراتها السابقة تقتصر على كونها حاكم سابق لولاية أمريكية، فإذا بها تفتح النار على إيران من مداخل قد لا تستطيع طهران التعامل معها والافلات منها. طالبت هايلي في الآونة الأخيرة بضرورة السماح للمفتشين الدوليين بدخول القواعد العسكرية الإيرانية، لتعيد بذلك الملف النووي الإيراني
ليس إلى مربعه الأول فقط، بل تزج به في اتون نقاشات حامية، خصوصًا أن هايلي لا تتحرك خارج نطاق الاتفاق النووي الموقع مع طهران، بل تتحرك في إطاره وتبحث عن آليات دولية جادة لضمان التزام الجانب الإيراني بتطبيق بنود الاتفاق «نصًا وروحًا»، ولذا فهي تحث الوكالة الدولية للطاقة الذرية على استخدام حقها وسلطتها في ضمان التزام طهران بالاتفاق النووي الموقع عام 2015، ومن ذلك بطبيعة الحال حق السماح للمفتشين التابعين للوكالة الدولية بزيارة المنشآت النووية الإيرانية وتفتيشها. قامت المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي بزيارة مقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا مؤخرًا، وقالت: «لدي ثقة كبيرة في الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولكنها تتعامل مع بلد له تاريخ واضح من الكذب والسعي لبرامج نووية سرية». وأضافت: «نشجع الوكالة الدولية للطاقة الذرية على استخدام كل السلطات التي تملكها، وانتهاج كل السبل الممكنة للتأكَّد من الالتزام بالاتفاق النووي». وهذه الزيارة جاءت في إطار مراجعة إدارة الرئيس ترامب الدورية لالتزام إيران بتطبيق الاتفاق النووي، حيث يبدو واضحًا أن البيت الأبيض لن ينسحب من هذا الاتفاق بشكل متسرع، بل يبحث عن أسانيد قانونية مقنعة تقنع الحلفاء الموقعين عليه بخروقات إيران للاتفاق. ملالي إيران من جانبهم يرفضون فكرة تفتيش المنشآت والمواقع النووية، ويبدي قادة الحرس الثوري الإيراني رفضًا قاطعًا لهذا الأمر، وينظرون بارتياب إلى التحرك الأمريكي، ويستحضرون تجربتي العراق وليبيا مع المفتشين الدوليين، وكان قائد الوحدة الصاروخية في الحرس الثوري، أمير علي حاجي زادة، قد أكَّد أن بلاده لن تسمح بدخول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المراكز العسكرية الإيرانية، واتهم الدول الغربية بمحاولة نزع السلاح الإراني عبر «العقوبات والحرب النفسية»، مضيفًا أن البيت الأبيض «ينوي تطبيق النسخة الليبية على إيران».
وقال حاجي زادة إن «الرد الإيراني واضح. لن نسمح بذلك أبدًا». وكان المرشد الإيراني علي خامنئي نفسه قد طالب الحكومة، في خطابه خلال مراسم التصديق على رئاسة روحاني، بالوقوف ضد سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة؛ وهذا الأمر ينذر بصدام وشيك بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي صعب عليها إصدار تقرير يحظى بثقة الجميع ما لم تتوصل إلى براهين قاطعة تؤكد التزام إيران بتطبيق التزاماتها الواردة في الاتفاق النووي.
هايلي تتحدث عن أن الاتفاق المسمى بـ»خطة العمل الشاملة» لا يميز بين مواقع عسكرية وغير عسكرية، وأن هناك مواقع كثيرة لم يتم تفتشيها من الأساس، وتحاول تفعيل بنود الاتفاق الذي يتيح للوكالة الدولية للطاقة الذرية طلب الوصول إلى أي موقع إيراني، وهذا يضع إيران مباشرة في مواجهة الحقيقة، بحيث تقضي الوكالة بالفشل في التيقن من تطبيق بنود الاتفاق، ومن ثم تفتح الباب أمام اتهام إيران بعدم الالتزام ببنوده بحيث يصبح من حق أي طرف التحلل من هذا الاتفاق من دون مواجهة اتهامات بعدم الوفاء بالتزاماتها في هذا الاتفاق.
إستراتيجية الإدارة الأمريكية الحالية لخصها ببساطة رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بوب كوركر، في تصريحات لصحيفة «واشنطن بوست» قال فيها إن الولايات المتحدة تحاول تطبيق الاتفاق النووي مع طهران بصورة جذرية من خلال المطالبة بالدخول إلى مختلف المواقع والمنشآت في إيران، موضحًا أنه «إذا لم يسمحوا لنا بالدخول، فسوف ينهار الاتفاق. إننا نريد تفكيك هذا الاتفاق مع إيران. ولكننا لا نريد أن تتحمل الولايات المتحدة تبعات ذلك الأمر، وذلك لأننا نريد دعم حلفائنا في هذه اللعبة كذلك».
الأمور باتت أكثر وضوحًا، الولايات المتحدة لن تتخذ قرار انسحاب منفردًا من الاتفاق النووي كما توقع بعض الخبراء والمحللين، بل ستمضي وفق إستراتيجية واضحة وأكثر نضجًا للتأكَّد من التزام إيران بتطبيق بنوده، من خلال إجراءات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وسيناريو هذا المسار يمكن أن تفضي إلى مواجهة جديدة حول الملف تنسفه تمامًا، أو فتح التفاوض مجددًا من أجل تحسين شروطه كما قالت واشنطن بذلك قبل فترة، وهو موقف يمكن أن يحظى بدعم أطراف وشركاء آخرين مثل فرنسا، وفي كل الأحوال فإن ملالي إيران باتوا في موقف صعب، وينتظرهم سيناريوهات معقدة، لذا يتوقع أن تزداد شراستهم في التمسك بنفوذهم في سوريا والعراق، كورقة ضغط يمكن مقايضتها مع القوى الدولية فيما يخص البرنامج النووي الإيراني.