ما يحدث في إيران ببساطة هو نهاية لحلم الملالي، ولو لم يسقط النظام غداً فسيسقط بعد غد، ومن يقول بغير ذلك لا يعرف طبيعة ما كان يدور في إيران طيلة العقود والسنوات الماضية.
إن مجرد خروج حشود المتظاهرين في الاسابيع الماضية وتحدي القمع والعنف الذي يمارسه الحرس الثوري ضد أي محاولات للاعتراض، وليس للتظاهر، يمثل منعطفاً نوعياً في تاريخ إيران، فما بالنا والتظاهرات شملت مدن إيران جميعها.
المثير للضحك أن الملالي لم يستوعبوا أي درس مما حدث في المنطقة منذ عام 2011، وسقطوا بغرابة في الأخطاء ذاتها، التي انتهت إلى سقوط أنظمة عربية عدة، ولم يجد مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي مايقوله للشعب سوى اتهام أطراف خارجية بتزويد المتظاهرين بالمال والسلاح والدعم المعلوماتي!
سيناريو التدخل الأجنبي في إشعال الفتن داخل دول عربية قائم وقابل للتصديق لأن هناك شواهد لا ينكرها أحد على ذلك، مثل تردد عشرات الشباب الذين يطلق عليهم "النشطاء" للتدريب في "أكاديميات التغيير" وغيرها من أدوات "الفوضى الخلاقة"، ولكن الوضع بالنسبة لإيران مختلف تماماً، فهي لا تسمح بتبادل حر للمعلومات عبر شبكة"الانترنت" كما كان يحدث في الدول العربية التي حدثت بها الاضطرابات، كما لا تسمح بانتشار منظمات مجتمع مدني، ولا دخول أجانب بسهولة، بل إن حالات اعتقال صحفيين أجانب يمارسون عملهم التقليدي معروفة ومؤكدة لدى إيران.
ومن المعروف أن هناك رقابة شديدة على الانترنت في إيران، وهناك مجلس اعلى للأمن السيبراني، أحد ابرز مهامه تشديد الرقابة على مستخدمي الانترنت في الداخل، وتطبق إيران قيودا هي الأكثر تشددا في العالم على استخدام الإنترنت وتمنع الوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" و"تويتر"، وهي الأقرب إلى نموذج كوريا الشمالية في هذا الشأن. وسبق أن ضغطت إيران من اجل الحصول على بيانات مستخدمي خدمة "تليجرام" التي يستخدمها من بين كل أربعة في إيران، من أجل فرض الرقابة على محتوى الرسائل هذه الخدمة، كما تعرضت الخدمة للإغلاق من قبل في إيران عندما رفضت التعاون مع السلطات بشأن بيانات المستخدمين، وكان هذا الرفض أحد أهم أسباب انتشارها في السنوات الأخيرة بين الشباب الإيراني، واستخدمت سابقاً في دعوات كثيرة للتظاهر لاسيما بين طلاب المدارس، وبالتالي فإن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من أجل التعبير عن الغضب وحشد المتظاهرين مسألة بديهية لا علاقة لها بتدخلات أجنبية.
الملالي ينتمون إلى فئة الأنظمة التي تلتف على الواقع وتحاول الوقوف في وجه عجلة التاريخ والتقدم، وبدلا من معالجة الأخطاء وجوانب الفشل الذريع الواضح في السياسات والخطط التنموية، يلجأ هذا النظام المتهالك إلى الانفاق في اتجاهات أخرى تبدو مخالفة لاتجاه حركة التاريخ.
دفع الملالي في اتجاه انشاء شبكة انترنت محلية بدلاً من تخفيف القيود على الحريات والاندماج مع العالم والاستماع لصوت التاريخ، فأطلقوا هذه الخدمة لتشديد الرقابة على المواطنين، ولم يستوعبوا الدرس من حجب وسائل التواصل الاجتماعي الأجنبية، والذي تسبب في ارتفاع شعبية هذه الوسائل واقبال الشباب عليها والتسابق على كسر حواجز الرقابة الحكومية عبر مواقع وسيطة متخصصة في ذلك.
نهاية حلم الملالي باتت وشيكة، وهذا الأمر كان متوقعاً، فالنظام الإيراني ولد متكلساً، وضد صيرورة التاريخ، ويعاني فجوة الوعي بينه وبينه ملايين الشباب الإيراني الحالم بدولة أكثر انفتاحاً وديناميكية وانخراطاً في ركب التطور العالمي.