لا أجد مبرراً مقنعاً لاعتراف إسرائيل رسمياً بتدمير المفاعل النووي السوري في دير الزور عام 2007 سوى رغبة تل أبيب في توجيه رسالة مباشرة وواضحة وصريحة لإيران بأن منشآتها النووية سيتم استهدافها في حال تجاوز إيران الخطوط الحمر التي حددتها إسرائيل لنفسها.
يبدو أن حكومة نتنياهو قد توصلت إلى قناعة مفادها أن نظام الملالي لا يأخذ التهديدات الإسرائيلية بشأن احتمالية توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، على محمل الجد، فذهبت إلى محاولة البرهنة على جديته باعترافين متتالين بشأن استهداف المفاعلين النوويين في العراق وسوريا.
ربما لا يكون هذا هو السبب او الدافع الإسرائيلي الوحيد بل ثمة روزنامة أخرى من الدوافع المحتملة، لاسيما أن الاعتراف الرسمي الإسرائيلي بتدمير المفاعل السوري، قد جاء عقب هزة نفسية تعرضت لها إسرائيل عقب إسقاط مقاتلة "إف 16"، وعدم مقدرة إسرائيل على الانتقام والثأر خشية اندلاع حرب مع إيران وسوريا وحزب الله في توقيت جاء خارج نطاق حسابات المخطط الاستراتيجي الإسرائيلي، بمعنى أن الاعتراف يمثل جزءاً من حرب نفسية تمثل معادلاً موضوعياً للقيام بأي فعل عسكري حقيقي لترميم هيبة إسرائيل التي اهتزت بعنف عقب اسقاط المقاتلة.
ربما تريد إسرائيل أيضاً تهيئة الدوائر الأمريكية لقرار مشابه بخصوص إيران، أو تستهدف تعظيم الضغوط على إدارة ترامب للتعامل بمزيد من الصرامة مع إيران تفادياً لحرب إيرانية ـ إسرائيلية قد تجر الولايات المتحدة إلى مواجهات عسكرية أوسع نطاقاً، والرسالة الإسرائيلية في هذا الإطار هي: إذا لم تقم إدارة ترامب بعمل اللازم للجم النفوذ والتدخل الإيراني في سوريا فستقوم إسرائيل بما يلزم لحماية أمنها القومي.
اختلف تماماً مع من يرون الاعتراف الإسرائيلي إعلاناً رسمياً بالتفوق على الدول العربية جميعهاً، فإسرائيل لا تسعى في المرحلة الراهنة إلى أي تشويش في ما يخص العلاقات مع الدول العربية، بل تسعى إلى تمرير "صفقة القرن" التي تتطلب بدورها ـ وفقاً للتسريبات الإعلامية ـ قدراً كبيراً من التوافقات والموائمات السياسية، وإن كان بعض المحللين يرون أن الرسالة الإسرائيلية في شقها العربي لا تستهدف الدول والأنظمة، بل تستهدف الشعوب، بمعنى إضعاف الروح المعنوية وإقناع الجميع بأن التفوق العسكري الإسرائيلي يجعل من الصعب رفض صفقة القرن.
شخصياً لا أرى لهذه الرسالة عنواناً سوى طهران، ونظامها، فإيران باتت أكثر شواغل الأمن القومي الإسرائيلي في المرحلة الراهنة، واعتقد أن إسرائيل تمهد بهذا الاعتراف لمرحلة ما بعد الغاء الاتفاق النووي الموقع بين إيران ومجموعة "5+1”، حيث يفترض أن تمارس أقصى الضغوط على إيران ووضع نظام الملالي تحت هذه الضغوط كي يستجيب لما يملى عليه من مطالب تتعلق بالانسحاب من سوريا ووقف التدخلات الإيرانية في الدول المجاورة.
قال وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، تعليقا على هذا الاعتراف "إن على المنطقة كلها استيعاب الدرس من الضربة" التي وجهتها إسرائيل عام 2007 ضد ما يشتبه أنه مفاعل نووي سوري، أما وزير الاستخبارات إسرائيل كاتس فقال في "تغريدة" له "العملية ونجاحها أوضحا أن إسرائيل لن تسمح أبدا بأن تكون الأسلحة النووية في أيدي من يهددون وجودها .. سوريا في ذلك الحين وإيران اليوم".
إذاً المسألة برمتها إذن لم تعد بحاجة إلى كثير من التحليل والتقدير، فهناك مايشبه الحملة الإسرائيلية الرسمية لتوجيه تحذيرات مباشرة إلى إيران، ويبقى السؤال المطروح بالتبعية هو: كيف ستتصرف إيران إزاء هذه الرسائل؟ وكيف ستخطط للرد على أي عملية عسكرية إسرائيلية تستهدف منشآتها النووية؟
الإجابة على مثل هذه التساؤلات تشير إلى أن نظام الملالي في إيران ليس نظاماً عقلانياً يمكن أن يستوعب الدرس ويتصرف وفقاً لمصالح شعبه، وقناعتي أن هذه الرسالة ستزيد إيران تورطاً وانغماساً في سوريا، باعتبارها الرهان الأقوى لنظام الملالي في الرد على أي تهديد إسرائيل، فإيران التي انفقت، باعتراف قادتها، نحو 22 مليار دولار على الحرب في سوريا، لن تتخذ قرار الانسحاب بسهولة، ولن يكون خروجها سوى دامياً أو في إطار صفقة تقاسم مصالح مع قوى كبرى.
يدرك قادة الحرس الثوري أن تمركز ميلشياتهم في سوريا وعلى الحدود مع إسرائيل هو الورقة الأكثر ضغطاً على أعصاب إسرائيل والولايات المتحدة، وطالما أن الملالي قد باتوا على قناعة بأن إسرائيل تخطط لاستهدافهم عسكرياً فلن يتنازلوا بسهولة عن ورقة التعاون مع حزب الله اللبناني، عصب الاستثمارات الإيرانية في بناء الميلشيات والوكلاء والأذرع الأيديولوجية.
اعتقد أيضاً أن إسرائيل قد تسرعت وتسئ التقدير بانتهاج استراتيجية التهديد العلني لإيران، وتخليها عن استراتيجية الغموض في بناء قدرات الردع وتوجيه الضربة الأولى، وأن رهانها على ردع إيران عبر التهديد والحرب النفسية لن يؤتي نتائجه، فنظام الملالي مغامر بطبعه، كما قلت وهكذا علمتنا تجارب حربه مع العراق وتدخلاته الطائشة في اليمن والعراق وسوريا، فهو نظام لا يبالي كثيراً بالعواقب، ويمتلك معايير ضيقة للربح والخسارة في المواجهات والصراعات والحروب، ولا يبالي بمصالح شعبه، وبالتالي فهو نظام انتحاري بامتياز، ومن ثم لا تنطبق عليه قواعد الردع التقليدية التي تتفاعل معها الأنظمة الطبيعية.