كشف نظام الملالي الإيراني خلال احتفالاته مؤخراً بالذكرى الأربعين لثورة الخميني عن صاروخ باليستي عابر جديد أطلق عليه اسم "هويزه"يصل مداه على أكثر من 1350 كم، الامر الذي ردت عليه الولايات المتحدة بالتعهد بمواصلة الضغط "دون هوادة"على إيران لردع برنامجها الصاروخي، بينما كان لافتاً ان الجانب الأوروبي قد التزم الصمت حيال هذا التطور، الذي يفترض أنه يمثل تأكيدا على نوايا النظام الإيراني ورغبته في استمرار خطته لنشر الفوضى والاضطرابات الإقليمية.
إن استمرار الملالي في تطوير البرنامج الصاروخي يمثل خطراً داهماً على الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي كما يؤكد فشل الاتفاق النووي الموقع بين مجموعة "5+1"وإيران في لجم طموحات إيران والحد من خطرها الإقليمي، حيث بدا واضحاً تماماً أن الاتفاق قد راهن بالخطأ على نوايا نظام يجيد التلاعب والمماطلة والتسويف والتهرب والمراوغة.
الحاصل الآن أن الملالي يمتلكون تقنيات تصنيع السلاح النووي، أو لنقل الحد الأدنى من قدرات عسكرة التقنية النووية، وأن ما يفصل بينهم وبين التسلح النووي ليس سوى قرار سياسي وقليل من الوقت لتعزيز قدرات المفاعلات النووية على التخصيب بما يوفر اليورانيوم اللازم لتصنيع السلاح النووي، وها هي إيران تمضي في تطوير قدراتها الصاروخية الباليستية بأمدية متزايدة، ما يعني أننا امام حالة استنساخ صارخة للخطر الكوري الشمالي، ويبدو أن العالم سيبقى صامتاً حتى يستيقظ على وقع خبر تجربة إيران النووية الأولى، حيث يتوقع أن يقوم نظام الملالي باستئناف جهود التسلح النووي بمجرد التأكد من فاعلية منظومة الصواريخ الباليستية عابرة القارات ووصولها إلى أمدية تهدد الدول الكبرى، بحيث تقدر على حمل أسلحة نووية!
يزعم نظام الملالي أن صواريخه الباليتسية تتعلق بالأمن القومي وأن أهدافها "دفاعية"(!) وهذا محض كذب فاضح، حيث يدرك أي متخصص في العلوم العسكرية أن هذا الزعم باطل ويمثل استخفافاً بالعقول، لأن هذه النوعية من الصواريخ لا تندرج مطلقاً ضمن إطار منظومات التسلح الدفاعي، وأنها قادرة على تنفيذ أي قرار بتوجيه ضربات استباقية هجومية، أو في حالات أخرى القيام بتوجيه الضربة الثانية أو الرد على هجمات مفترضة، وهي حالة ليست دفاعية مطلقاً بالنسبة للحالة الإيرانية وظروف سلوك الملالي الأيديولوجي العدائي، فنظام الملالي ينظر للأمور من منظور مغاير للقواعد والاعتبارات العسكرية، بل يتعامل وفق رؤية مبتسرة للأمور؛ بمعنى أن تعرض إيران لضربة عسكرية من دولة كبرى مثلاً قد تقابل برد انتقامي يوجه ضد دولة من دول الجوار الإيراني، وهذه الردود والخيارات تعتبر من ثوابت ومسلمات استراتيجية إيران العسكرية، التي يتعامل فيها مع دول الجوار باعتبارها أهدافاً ذات أولوية في حال تعرض النظام لخطر وجودي، حتى لو لم تشارك هذه الدول في أي عملية عسكرية ضد إيران، أو يكون لها أي علاقة بهجوم محتمل ضدها.
هذا الرد الانتقامي المحتمل هو ما يسميه النظام الإيراني بالمبررات الدفاعية! ولذا نقول إنها منظومة هجومية بل عدائية للغاية، وليست مخصصة للردع أو الدفاع، ولنا ان نتخيل ان النظام الذي استطاع نشر صواريخ قصيرة المدى لدى وكلائه في "حزب الله"اللبناني، ولدى ميلشيات الحوثي باليمن وغيرها، كيف يمكن له أن يغرق المنطقة بصواريخ متوسطة المدى بحيث يضمن مزيداً من النفوذ والسيطرة للميلشيات والوكلاء الموالين له!!
إنها الفوضى التي يسعى إليها نظام الملالي في ظل حالة الصمت والحذر الدولي التي تقابل بها جهوده على صعيد التسلح الصاروخي، رغم أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 يدعو إيران صراحة إلى "عدم القيام بأي أنشطة متعلقة بالصواريخ الباليستية المصممة كي تكون قادرة على حمل أسلحة نووية"، وها هي تتحدى وتعلن على الملاً نجاح تجاربها الصاروخية بين الفنية والأخرى!
يمضي نظام الملالي في استغلال الخلافات الدولية والتباينات بين الولايات المتحدة وأوروبا حول الاتفاق النووي، والصراع الروسي الأمريكي في سوريا وغيرها، ولكن العالم كله سيدفع ثمناً باهظاً للصمت على هذه التجاوزات بعد أن يكتشف ان هناك كوريا شمالية أخرى تهدد الامن والاستقرار، وأن التردد في مواجهة نظام الملالي ولجم طموحاته قد تسبب في حالة خطيرة من الفوضى والاضطراب بالشرق الأوسط.