لماذا قام المرشد الإيراني الأعلي علي خامنئي بتغيير قيادة الحرس الثوري الإيراني مؤخراً بشكل مفاجئ؟ هذا السؤال ناقشه الكثير من الخبراء والمتخصصين لأن توقيت التغيير لافت للانتباه حيث جاء قبل أيام قلائل من سريان تطبيق الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية ضد إيران، وهي الحزمة الأشد تأثيراً بخلاف جميع العقوبات السابقة.
وتشير أي قراءة معمقة لظروف هذا التغيير أنه مبدئياً لا فرق بين سلامي (القائد الجديد) وجعفري (القائد السابق) من حيث التشدد بالنسبة للعالم الخارجي لأن الاثنين ينفذان ما يأمر به المرشد الأعلي ولا دور لأي منهما في التصعيد والتهدئة في مستوي الصراع مع العالم، وبالتالي أعتقد أن تفكير خامنئي في التغيير ربما ينبع من استشعاره أن سلامي هو الأقدر علي تنفيذ تعليماته في المرحلة المقبلة.
وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلي نقاط عدة أولها أن قرار خامنئي قد نص علي وجود ما وصفه بضرورة التغيير في قيادة هذه الميليشيات الإرهابية، وعددّ خبرات اللواء حسين سلامي قائلاً:»نظرا إلي كفاءتكم وتجاربكم القيمة في الإدارة العامة وتصديكم للمسئوليات المختلفة في الأجهزة الثورية والجهادية والشعبية لحرس الثورة الإسلامية»، وبحسب المرشد نفسه فإن اللواء جعفري نفسه قد طلب هذا التغيير »لرغبته »في التواجد بالحقل الثقافي ولعب دور في الحرب الناعمة»، ومن ثم تم تعيينه »مسئولا عن مقر بقية الله الثقافي والاجتماعي»، وهي رواية مشكوك في صحتها لأن من المستبعد أن يختار قائد الحرس الثوري التوقيت الراهن تحديداً للإعراب عن رغبته في الابتعاد عن منصبه، ويبدو أن خامنئي قد أراد الحفاظ علي معنويات الميليشيا الإرهابية بنسج رواية سبب الإقالة وإحالتها إلي رغبة جعفري نفسه، ولاسيما أن جعفري قاد الحرس الثوري خلال الفترة بين عامي 2007و 2019، وتجاوز المدة المتعارف عليها لقيادة الميليشيا والتي تبلغ عادة عشر سنوات، إلا أنّه لم يقضِ كامل فترة التمديد التي صدّق عليها خامنئي في يوليو 2017، حيث كان مقرّرًا أن تمتد حتي عام 2020، وبالتالي ليس من المنطقي أن يطلب جعفري إنهاء فترة قيادته قبل نحو عام واحد فقط من انتهائها، وليس للتقاعد مثلاً بل للانتقال إلي ما يوصف بقطاع »القوة الناعمة»!
أعتقد أن أسباب تغيير قيادة الحرس الثوري لا تتعلق بدور الحرس الثوري في الخارج، وهو الدور الذي يقوم به فيلق القدس بقيادة الجنرال قاسم سليماني، وبالتالي فالتغيير لا علاقة له بهذا الدور والأرجح أنه يرتبط بدور الحرس في الداخل الإيراني وفي الدفاع عن البلاد في حال التعرض لهجوم عسكري مفاجئ.
بشكل عام، وبالرغم من أن مستوي عدوانية ميليشيات الحرس الثوري لن يتغير بوجود قائد جديد، فما يتردد في بعض التقارير حول تشدد سلامي تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل علي سبيل المثال هو جزء من لعبة توزيع الأدوار التي يمارسها الملالي، علاوة علي أن التصعيد والتهدئة وغيرهما مسألة يحددها المرشد خامنئي وليس لأحد آخر القرار في تحديد مستويات التصعيد والتهدئة في الخطاب الصادر عن أي جناح في النظام الإيراني، الذي يدار بقبضة حديدية عنيفة يتحكم بها ويديرها خامنئي.
وكل ما يقال عن تشدد تصريحات سلامي بشأن ملفات عدة، هو نموذج متكرر من تصريحات لقادة آخرين في الحرس الثوري، سابقين وحاليين، وبالتالي لو أن هذا التغيير قد استهدف إيصال رسالة تهديد للخارج فإن خامنئي قد أخطأ التوجيه لأن الرسالة قد وصلت عكس ما أراد منها، حيث يعتقد كثيرون، وأنا منهم، أن تغيير قيادة الحرس الثوري في هذا التوقيت يعكس مستوي بالغا من القلق والهلع والخوف لدي القيادة الإيرانية، إلا إذا كان خامنئي يختزل تفكيره في أن المرحلة المقبلة ستقتصر علي الحرب النفسية والتهديدات الكلامية المتبادلة، بين إيران من ناحية وكل من إسرائيل والولايات المتحدة من ناحية ثانية، ولكن هذا الأمر لا يتطلب بالضرورة تصعيد نائب قائد الميليشيات وإزاحة قائدها، فمنصب سلامي كنائب لقائد الحرس الثوري لم يمنعه سابقاً من إطلاق التصريحات التي يهدد فيها إسرائيل كعادة جنرالات الحرس الثوري الذي لم يتجرأ علي إطلاق رصاصة واحدة باتجاه إسرائيل رغم الضربات الجوية القاسية والمتعددة، التي تلقتها معسكراته المنتشرة في الأراضي السورية!
تغيير قادة الحرس الثوري هو استشعار من الملالي للخطر الداهم الذي يحاصر نظامهم، ولكن الوقائع تؤكد أن هذا النظام بات يواجه أخطر أزمة في تاريخه ولن ينجو منها سوي بالإذعان للشروط الأمريكية.