لا أدرى كيف يتوقع البعض في المنطقة وخارجها أن يعترف ملالي إيران بارتكاب جريمتي الهجوم على ناقلتي النفط في خليج عمان؟ وهل يتوقع هؤلاء أن يصدر نظام الملالي بيانا رسميا يعترفون فيه رسميا بما يرتكبون من جرائم؟ وهل سبق لهذا النظام البائس أن اعترف بجريمة واحدة من جرائمه عدا ما يتباهى به من دعم لا شرعي للتنظيمات والأذرع الطائفية التي تأتمر بأوامره وتعمل لمصلحته في لبنان والعراق وسوريا واليمن؟ الأغرب من كل ذلك أن حماس هؤلاء المشككين في صحة الاتهامات الموجهة للملالي يفوق
بمراحل حماس مسؤولي النظام الإيراني في محاولة دحض الاتهامات، وترويج مزاعم مزيفة عن مشاركتهم في إنقاذ طاقمي الناقلتين، من دون أن يثبتوا صحة مزاعمهم أو تقديم دلائل على كذب أشرطة الفيديو التي نشرها الجانب الأمريكي، والتي تثبت تورط عناصر الحرس الثوري في تفجير ناقلتي النفط.
المشككون في الاتهامات الأمريكية ينطلقون من نقطتين أساسيتين، أولاهما عدم دقة الاتهامات والدلائل التي ساقتها الولايات المتحدة لتبرير عملية غزو العراق عام 2003، وهذه بحد ذاتها لا تصلح بالمرة دليلا على كذب ما تقدمه الإدارة الأمريكية الحالية من دلائل وإثباتات، ولا يعني ذلك بالضرورة كذب كل رواية تأتي بعد الواقعة السابقة، ولا سيما أن إيران لم تقدم من جانبها ما ينسف الرواية الأمريكية أو حتى يشكك في صحتها، حيث اكتفى نظام الملالي بالنفي!
والنقطة الثانية التي ينطلق منها هؤلاء المشككون هي نقطة غريبة للغاية، وتتمثل في أنه ليس من المنطقي أن يستهدف نظام الملالي ناقلة نفط متوجهة لليابان بالتزامن مع زيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى طهران، وأن هناك بالتالي طرفا ثالثا يريد الوقيعة بين إيران والولايات المتحدة وإفشال مهمة الوساطة اليابانية، وهذا الأمر ظاهره المنطق ولكن باطنه الخداع، فهو تحليل يقوم على حسن نوايا الملالي ويتعامل ببراءة، بل بسذاجة شديدة، مع مثل هذه الأمور، فالدليل الذي يسوقه هؤلاء هو الدليل نفسه الذي يمكن أن يثبت إدانة النظام الإيراني الذي يبدو أنه فكر بالطريقة التآمرية المعتادة لديه، واعتبر أن استهداف ناقلة نفط مرتبطة باليابان هو ما يوفر الدليل على براءته من تهمة التورط في التفجيرات، وتصرف بمنطق «اللص» الذي يريد إخفاء معالم جريمته، متناسيا القاعدة الشهيرة في علم الجريمة التي تقول إنه لا جريمة متكاملة الأركان، وإن اللص لا بد وأن يترك دليل إدانته خلفه، وهذا ما حدث بالضبط في الفيديو التي يثبت تورط إحدى سفن الحرس الثوري في موقع الحادثة، والذي لا يزال الدليل الأبرز، حتى الآن، الذي يبرز فشل الملالي في إخفاء الجريمة.
الحقيقة أن نظام الملالي قد فضح نفسه أمام أحد أصدقائه القلائل في العالم، وتسبب في حرج بالغ لرئيس الوزراء الياباني شينزو آبي الذي اعتقد أنه يتعامل مع نظام عاقل، أو يتمتع بحد أدنى من العقل والحكمة، فاكتشف أنه يواجه العقلية ذاتها التي تعانيها الياباني في شرق آسيا؛ عقلية كوريا الشمالية التي تقدم على مغامرات غير محسوبة، وتتسبب في تقويض الأمن والاستقرار من خلال انتهاك كل القواعد والمبادئ الضامنة للسلام في العالم.
الحقيقة أيضا أن النظام الإيراني الذي يزعم أنه الضامن الأساسي لأمن الملاحة الدولية في مضيق هرمز هو أيضا المسؤول الأول عن هذه الجرائم حتى لو افترضنا جدلا أنه لم يرتكبها، فالوجود المكثف لميليشيات الحرس الثوري في مياه الخليج العربي لا يمكن معه الادعاء بأن هناك طرفا ثالثا من خارج الإقليم قد ارتكب الجرائم سعيا للتعجيل باستهداف إيران عسكريا، فهذه الادعاءات تتكرر في كل مرة وتوفر للنظام الإيراني مخرجا من كل جريمة، ولو أن المجتمع الدولي واصل الصمت حيال هذه ال جرائم الإيرانية المتكررة فلنتوقع كارثة أكثر تقوض ما تبقى من أسس الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي.
على العالم أن يدرك أن المجتمع الدولي يراهن على انقسام الموقف الدولي، وعلى الخلافات القائمة بين إدارة الرئيس ترمب وبعض القوى الدولية مثل الصين وروسيا، ولكن الحقيقة أن السماح للنظام الإيراني بالعبث في مساحة الخلاف هذه والاستفادة منها سيدفع ثمنه الجميع غاليا، فيجب ألا يفلت من يستهين بالقانون الدولي بجريمته ويجب ألا يمرر العالم مثل هذه الجرائم تحت مظلة الخلافات، فأمن الطاقة هو مسؤولية دولية مشتركة وليس مسؤولية دول مجلس التعاون المنتجة للنفط فقط، وإلا سيصحو العالم يوما على كارثة أكبر وأشد ويستمرئ الملالي أفعالهم ويكررونها في ظل ضعف الإرادة الدولية أو لنقل غيابها.