لا شك أن مايحدث في مياه مضيق هرمز هذه الأيام ليس سوى اختبار صعب لإرادة المجتمع الدولي، الذي يتابع السلوك الإيراني وتكتفي أغلب قواه ودوله الرئيسية بالمتابعة وانتظار ما ستؤول إليه الأحداث منذ احتجاز إيران ناقلة نفط تجمل علم المملكة المتحدة!
المسألة هنا لا تتعلق صراحة بالجانب البريطاني، ولا حتى بسياسات إدارة الرئيس ترامب، بل تتعلق بهيبة القانون الدولي الذي يضمن حرية الملاحة البحرية في المياه الدولية، حيث يجب على الجميع التسليم بأن أي سلوك خارج نطاق هذا القانون ليس سوى هدر لأسس الأمن والاستقرار الدوليين، وتحويل مضيق هرمز الحيوي إلى منطقة عبور خطرة بكل ما يعنيه ذلك بالنسبة لأسعار النفط والأمن البحري!
قد يقول قائل أن نظام الملالي يرد على تصرف بريطانيا باحتجاز ناقلة ترفع العلم الإيراني في مضيق جبل طارق، بتهمة خرق العقوبات المفروضة على سوريا، ولكن الحجة الت يسوقها نظام الملالي في هذا الشأن تؤكد أن هذا النظام لا يعترف بالقانون الدولي ويميل إلى المغامرة والسلوك الطائش في علاقاته مع الدول، حيث يلاحظ ان المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي قد توعد وهدد باحتجاز ناقلة نفط بريطانية بمجرد سماع نبأ احتجاز ناقلة النفط الأولى في جبل طارق، أي لأنه لم يمنح الوقت الكافي لمعالجة الأمر عبر الوسائل والسبل القانونية، بل بادر فوراً إلى اعتماد الرد وفق قاعدة "العين بالعين والسن بالسن"!
هذا التصرف يشير إلى أن نظام الملالي قد اختار طريق المواجهة والعناد والمغامرة في علاقاته مع القوى الغربية الكبرى، بل يسوق حجج واهية ومفضوحة مثل اصطدام ناقلة النفط البريطانية بصيد صيد إيرانية وعدم استجابتها لنداءات الاستغاثة واتهامها ـ إير ذلك ـ بخرق قواعد الملاحة البحرية الدولية"!
وقد نبهنا منذ فترة طويلة إلى خطورة السياسة الإيرانية القائمة على تفريق الصف الأوروبي، والتعامل فرادى مع القوى الغربية، وهي السياسة ذاتها التي طبقها، ولا يزال ـ نظام الملالي في التعامل مع دول مجلس التعاون الخلجي، حيث عمد لسنوات طويلة إلى تفريق الصف الخليجي والتحدث مع كل دولة على حدة، لمنع تكتل الدول الخليجية الست في مواجهة التغول الإيراني الإقليمي، وساعده في ذلك ميل بعض الدول الخليجية إلى التغريد خارج السرب والاستقواء بالنظام الإيراني ضد شقيقاتها الخليجيات، والدميع يدرك ما فعله النظام القطري في هذا الشأن، لاسيما منذ عام 2015 وحتى الآن، حيث مشاركته في التحالف العربي بنية مبيتة للانسحاب والخروج، وهذا ماحدث بالفعل ثم ما أعقب ذلك من قرار حازم بمقاطعة قطر بعد طول صبر ومثابرة مع سلوكيات هذا النظام الذي تسبب في شرخ خليجي عميق.
المهم أن الملالي يكررون مع شركاء الأطلسي ما فعلوه في منطقتنا من قبل، فتجدهم يتحدثون مع ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بلغات مختلفة، واستغلوا تباينات المصالح القائمة بين الثلاثي الأوروبي والولايات المتحدة، ثم جاءت دور المرحلة الثانية بتفريق الثلاثي الأوروبي ذاته، وهاهي ردود الفعال تأتي من باريس وبرلين على احتجاز ناقلة النفط البريطانية لتدعو الملالي إلى الإفراج بلا تأخير عن الناقلة، فيما رأت برلين أن احتجازها يشكل "تصعيداً إضافياً لوضع متوتر أصلاً"!
نفهم أن فرنسا وألمانيا لا ترديان إغلاق باب الحوار مع نظام الملالي، وتحرصان على إبقاء الباب موارباً لاستئناف الحوار حول أزمة الاتفاق النووي، ولكن هذا النظام لا يفهم هذه اللغة الدبلوماسية، بل يميل عقله السياسي إلى المغامرات المحسوبة وغير المحسوبة، ويسعى لاستدراج الجميع إلى حرب يراها طوق النجاة الوحيد لإنقاذ مصير النظام!
السؤال الآن بالتبعية هو: هل كان الأمر يختلف لو بعثت العواصم الأوروبية الثلاث برسالة مشتركة صارمة للنظام الإيراني؟ قناعتي أن الملالي كانوا سيفكرون كثيراً قبل التضحية بدفع الأمور مع الجميع إلى حافة الهاوية، وكانوا سيبادرون إلى إيجاد مخرج يضمن الإبقاء على فرص الحوار مع الثلاثي الأوروبي؛ فالملالي يدركون أن خيارات بريطانيا العسكرية بمفردها محدودة للغاية في تهديد النظام الإيراني، ولكن بانضمام بقية القوى الأوروبية إليها سيكون الأمر مختلفاً بعض الشيء، رغم أن صدور أي تهديد عسكري لإيران من دون الولايات المتحدة يبقى أقل أثراً من الناحية الاستراتيجية.
لا أحد يريد سيادة لغة القوة في منطقة الخليج العربي، ولكن الخوف أن السلوك الإيراني المتهور يكتسب مزيداً من الجرأة ويتمدد ويختبر إرادة المجتمع الدولي ولا يجد رداً مناسباً، ما يضع علامات استفهام عريضة حول اتجاه هذا السلوك المغامر خلال المدى المنظور، وكيف يمكن لدول المنطقة التعايش بسلام مع نظام متهور يضع يديه دائماً على الزناد؟! وهل يعقل أن تبقى أكثر مناطق العالم حيوية وحساسية للاقتصاد العالمي رهن مثل هذه السلوكيات الطائشة؟!