لم يعد يخفى على أحد من الباحثين والمحللين أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يفضل تفادي سيناريو الحرب مع إيران خلال الفترة الراهنة وحتى موعد انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة، ومن ثم يصبح السؤال التالي هو: ماذا بعد تلك الانتخابات وكيف يفكر الرئيس ترامب في الخطوة المقبلة؟ وفي الرد على ذلك يمكن الإشارة إلى "تغريدة" عابرة للرئيس الأمريكي كتبها الأسبوع الماضي وورد فيها "تذكروا فقط، أن إيران لم تربح الحرب أبدا، لكنها لم تخسر أي مفاوضات"، هذا الكلام يعني دلالات عدة من منظور التحليل
السياسي، أولها أن الرئيس ترامب ليس قلقاً من خوض حرب ضد إيران كما يعتقد البعض، بل هو يفضل كسب المواجهة من دون إطلاق رصاصة واحدة، فهذا هو رهانه الأساسي الذي يسعى من خلاله إلى اثبات تمايزه عن أقرانه من الرؤساء الأمريكيين السابقين. وفي مقابل ذلك، توحي هذه التغريدة بأن الرئيس ترامب يبدي حذراً من الجلوس على طاولة التفاوض مع الإيرانيين أكثر مما يبدي قلقاً من مواجهتهم عسكرياً!
ماذا يعني ذلك؟ الحقيقة أن اقتناع البيت الأبيض بصعوبة التفاوض مع نظام الملالي سيحفز، برأيي، الرئيس ترامب إلى الإصرار على التفاوض مع هذا النظام، وتحقيق انتصار سياسي عليه، لأن هذه المحصلة التي أشارت إليها التغريدة ربما تكون كافية لاثارة شهية الرئيس ترامب على منازلة الملالي في صراع تفاوضي!
عقلية رجل الأعمال الذي يوصف دائماً بمهارته التفاوضية في عقد الصفقات، هي المحرك في مثل هذه الحالة للدخول في نزال تفاوضي المؤكد انه يثير شهية الرئيس الأمريكي لتحقيق انتصار سياسي جديد واثبات صحة نهجه السياسي في التعامل مع الأزمات.
لم يكن عرض وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بشأن استعداده للسفر إلى إيران إذا لزم الأمر لإجراء محادثات، حيث قال في مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ" مانصه: "بالتأكيد إذا كان الأمر كذلك، يسعدني أن أذهب إلى هناك… سأرحب بفرصة التحدث مباشرة مع الشعب الإيراني"، لم يكن هذا العرض الذي رفضه نظام الملالي سوى إحدى محاولات فتح خط مباشر مع الملالي في ظل تعثر الوساطات التي قام بها مبعوثون لدول إقليمية وكبرى في الآونة الأخيرة، بالإضافة إلى السيناتور الجمهوري راند بول، عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، الذي تشير تقارير إعلامية إلى انه التقى ظريف خلال زيارة الأخير إلى مقر الأمم المتحدة في شهر يوليو الماضي، بضوء أخضر من الرئيس ترامب، الذي تربطه علاقة شخصية قوية مع السيناتور راند، الذي عرض على ظريف مقترح زيارة واشنطن للبحث في تسوية للأزمة المتفاقمة.
على طريق البحث عن مخارج تفاوضية، تمضي الإدارة الأمريكية في نهج العقوبات الصرامة، التي طالت مؤخراً وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، بعد فرض عقوبات على المُرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، والرئيس حسن روحاني، وقادة الحرس الثوري، وعلى رأسهم اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس.
في الأخير، تبدو خطوات الإدارة الأمريكية غير واضحة ولم ترق بعد إلى أن تكون استراتيجية متكاملة للتعاطي مع التهديد الإيراني، ولكنها خطوات محسوبة تمضي وفق مخطين متوازيين أولهما كسب الوقت وإعطاء نظام الملالي الحبل الذي يشنق به نفسه، وهذا الأمر يمضي بدوره وفق نهج قائم على العقوبات القاسية غير المسبوقة، والرهان على عامل الوقت في إيقاع الملالي في الأخطاء التي تسهم في بناء حشد دولي ضدهم لحين مرور الفترة المتبقية على انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة، بحيث يبقى من الوارد وقتذاك سيناريو توجيه ضرية عسكرية قاصمة للنظام الإيراني بعد استنفاذ كل فرص التسوية السياسية للأزمة، وثانيهما مسار السعي للتفاوض مع النظام وفق شروط تحقق هدف الرئيس ترامب وهو نزع مخالب النظام الإيراني ولجم قدرته على انتاج سلاح نووي والحد من قدراته الصاروخية ونفوذه الإقليمي خصوصاً في سوريا، لطمأنة إسرائيل وضمان أمنها.
الترويج للقدرات الايرانية في كسب الجولات التفاوضية هي أكثر ما يثير اهتمام الرئيس ترامب الآن، وبحسب قناعتي فإن تغريدته بشأن مهارة الإيرانيين في التفاوض هي محاولة لتكريس فكرة الانتصار التفاوضي الإيراني في اتفاق عام 2015، الذي وقعه الملالي مع مجموعة "5+1"، بما يعني أن انتزاع أي بنود تفوق شروط هذا الاتفاق بما يتماهى مع رغبة الرئيس ترامب، سيكون انتصاراً تفاوضياً غير مسبوق على نظام الملالي من وجهة نظر الإدارة الامريكية، التي تسعى لتحقيق ذلك ثم تسويقه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية باعتباره أحد إنجازات الرئيس ترامب في ولايته الرئاسية الأولى.