سواء باعت ناقلة النفط الإيرانية «أدريان داريا1» حمولتها قبالة السواحل السورية بموجب تفاهم سري جرى التوصل إليه مع الولايات المتحدة، بحسب ما تقول تقارير إعلامية منشورة، أم باعتها في تحد للملاحقة الأمريكية كما يشير الواقع الإخباري ويوحي بذلك، فإن الهدف الإيراني من إرسال الناقلة قد تحقق، ولم يتحقق ما قيل عقب الإفراج عن الناقلة التي احتجزتها البحرية البريطانية ثم أفرجت عنها بموجب «ضمانات كتابية» قيل إن السلطات الإيرانية قدمتها بأن الناقلة لن تتوجه إلى سوريا.
مسلسل ناقلة النفط الإيرانية هو جزء من أحداث كثيرة متسارعة تشهدها منطقة الشرق الأوسط، المعلن فيها أكثر من المخفي بمراحل، وما يدور وراء الكواليس يبقى الجزء الأهم في هذه الأحداث.
الولايات المتحدة تعهدت بفرض عقوبات على كل من يشتري النفط الإيراني الذي تحمله الناقلة، وقال مسؤول في وزارة المالية الأمريكية لوكالة (رويترز) «سنواصل الضغط على إيران، ومثلما قال الرئيس ترامب، لن يكون هناك أي نوع من التساهل مع النفط الإيراني»، ولكن ما حدث بعد ذلك بأيام أن صور الأقمار الصناعية أكدت أن الناقلة قد ظهرت وهي على بعد ميلين بحريين من ميناء طرطوس السوري.
موضوع ناقلة النفط انطوى أيضاً على أحداث لافتة للانتباه مثل عرض الولايات المتحدة على ربان السفينة ملايين الدولارات مقابل الاتجاه بالسفينة حيث يمكن للسلطات الأمريكية احتجازها.
الخارجية البريطانية من جانبها لم تهتم كثيراً ببيع شحنة النفط الإيرانية ربما بسبب الانشغال الشديد بالتطورات الداخلية وتوابع موضوع الـ»بريكسيت»، واكتفت باتهام إيران باتخاذ «مسار مفلس أخلاقياً» بعد التقارير التي تحدثت عن توجه الناقلة صوب سوريا مجدداً، على اعتبار أن ذلك يمثّل نقضاً للوعود الإيرانية بشأن عدم التوجه إلى سوريا.
كل هذه الأحداث وردود الفعل حولها هي جزء من لعبة السياسة، التي لا تخلو من مناورات وحيل وأكاذيب واتهامات ومزاعم وكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة في رحلة بحث الجميع عن مصالحه وسعيه لتحقيق أهدافه، وبالتالي فليس هناك من الناحية الفعلية أي مفاجآت في هذا الملف أو غيره، وهو ما لخصه مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، في تعليقه على صور نشرت للناقلة الإيرانية قرب سوريا، وقال: «أي شخص يقول إن (الناقلة) أدريان دريا1، ليست متجهة إلى سوريا، واهم»، ما يعني أن الولايات المتحدة كانت على يقين بأن الناقلة ستواصل المضي صوب وجهتها الرئيسية! ووزير الدفاع الأمريكي مارك أسبر كان قد أعلن أن بلاده لا تملك أي خطة لاحتجاز ناقلة النفط الإيرانية «أدريان داريا 1»، وهذا الكلام هو الأقرب للحقيقة، فالولايات المتحدة لا تريد حدوث صدام مباشر مع إيران في المرحلة الراهنة، وكل ما يثار بشأن هذا الأمر يبدو مجافياً للمؤشرات الحاصلة على أرض الواقع.
هناك تقارير إعلامية ذكرت أن الناقلة انتظرت بضعة أيام في مياه البحر المتوسط بانتظار التوصل إلى صفقة بين نظام الملالي والولايات المتحدة بوساطة طرف ثالث بما يسمح بتفريغ حمولة الناقلة من النفط، وأن الإفراج عن السفينة التي تحمل العلم البريطاني والمحتجزة في ميناء بندر عباس الإيراني يمثّل جزءاً من الصفقة.
«دراما» ناقلة النفط الإيرانية وصلت إلى النهاية التي يريدها نظام الملالي الإيراني، وهذا هو جوهر الأمر وأهم جزئياته بغض النظر عن التفاصيل الثانوية، ولنا، كباحثين أن نتدارس الواقعة باعتبارها نموذجاً لإدارة أزمة مصغرة بين طهران وواشنطن، حيث خرج الجانبان بأقل الخسائر أو من دون تقريباً، وحققا أهدافهما بطريقة أو بأخرى، فالولايات المتحدة لم تكن تريد منذ البداية احتجاز الناقلة، بل كانت تريد إرسال رسالة تخويف قوية للنظام الإيراني بأن حرية الحركة وهامش المناورة في مجال بيع النفط الإيراني محدود للغاية أو بالأحرى يمكن «تصفيره»، بينما كان هدف الملالي إثبات قدرتهم على تحدي العقوبات الأمريكية واختراقها ودعم الحلفاء وبيع نفطهم في وضح النهار وفي رقابة الأساطيل الأمريكية. وقد تحقق الهدفان معاً من الناحية الواقعية في إطار صراع الإرادات المحتدم بين الملالي وإدارة الرئيس ترامب، الذي لا يهتم سوى بالسير ولو ببطء نحو هدفه الإستراتيجي الخاص بالتوصل إلى تفاهم شامل يمكن تسويقه سياسياً للرأي العام الأمريكي في موضوع إيران.