رغم أن الشعب الإيراني قد هب غاضباً ومحتجاً ضد قرار رفع أسعار الوقود الذي اتخذه نظام الملالي، فإن هذا النظام قد اعتبر الاحتجاجات الشعبية العفوية بمنزلة "حرب عالمية" ضد طهران تتحمل مسؤوليتها أطراف عدة منها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، كما زعم اللواء سالار أبنوش، نائب رئيس قوات "الباسيج" التي قامت بقمع الاحتجاجات واخماد صوت الشعب الإيراني.
يقول اللواء أبنوش في تصريحاته "لقد نشبت حرب عالمية ضد النظام والثورة ولحسن الحظ مات الطفل لحظة ولادته"، ويتجاهل تماماً ما قاله مكتب الأمم المتحدة لحقوق الانسان في تعليقه على التقارير التي تفيد بأن الذخيرة الحية التي تستخدمها قوات الأمن لقمع الاضطرابات تسببت في عدد كبير من القتلى؛ حيث ينكر المسؤولون الإيرانيون وجود أعداد كبيرة من القتلى ويشيرون إلى مقتل خمسة فقط، بينما قالت منظمات دولية إنه يعتقد أن أكثر من 100 متظاهر قتلوا وأن عدد القتلى الحقيقي قد يصل إلى 200، وهذه الأرقام ربما تكون أقل من الواقع قياساً على الذخيرة الإيرانية، التي أرسلت للعراق وتسببت في مقتل أعداد كبيرة من الشباب العراقيين في التظاهرات.
نظام الملالي يتحدث أيضاً عن "إجراءات" اتخذت لانهاء الاحتجاجات بسرعة، ويزعم أن الوعي الشعبي قد أسهم في ذلك، ولكنه في غياب الحقائق والتعتيم الإعلامي وقطع الانترنت تماماً عن كافة المدن الإيرانية خلال فترة التظاهرات، يخفي ماحدث ولاسيما فيما يتعلق بطبيعة تلك "الإجراءات"، التي نعرف جميعاً أنها تعني استخدام قبضة ميلشيا الحرس الثوري في مواجهة غضب الشعب الإيراني.
رسم مجلس الخبراء الإيراني سيناريو وهمي لخطة أجنبية "للتآمر" ضد إيران، زاعماً أن شبكات الانترنت تُعلم الشعب "الشغب وارتكاب الجرائم"، متجاهلاً أثر ماحدث طيلة السنوات الفائتة في المنطقة، وأن الإيرانيين الذين يعانون بل يعتبرون أكثر شعوب المنطقة معاناة من الناحية المعيشية والتنموية والاقتصادية، قد تحركوا في ردة فعل تلقائية على قرار رفع أسعار البنزين!
اتهم المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي من جانبه دول غربية عدة منها فرنسا وألمانيا بتشجيع الاحتجاجات، وزعم أن الولايات المتحدة هي "قائدة الأشرار"! وأن المملكة العربية السعودية قد وفرت التمويل والدعم الإعلامي! متجاهلاً الأسباب الرئيسية للغضب الجامح الذي يعتمل في نفس ملايين الإيرانيين منذ سنوات، وأن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة هي السبب الرئيسي والوحيد للاحتجاجات، وأن الأجيال الشابة من الإيرانيين لم تعد تنطلي عليها مزاعم التآمر ومخططات صرف الأنظار وتصدير الأزمات، التي انتهجها الملالي منذ وصولهم إلى السلطة. ليس من المعقول أن يصدق الشباب الإيراني أن العالم كله يتآمر على بلاده، وأن العالم أيضاً هو من وجه الملالي بصرف مليارات الدولارات على مشروع توسعي خبيث في دول عربية عدة لا لشىء سوى لأغراض لا علاقة لها بمصالح إيران، الدولة والشعب معاً، فالإيرانيين يحتاجون إلى علاقات طبيعية مع جوارهم والعالم من حولهم، ويريدون تعليماً جيداً وفرص عمل، بدلاً من اختزال الدولة في طموحات الملالي!
نظام الملالي يتهم الاتحاد الأوروبي بالتدخل في الشأن الإيراني لمجرد أنه حض إيران على إظهار "أقصى درجات ضبط النفس "إزاء المتظاهرين، ويتناسى تماماً سلوكياته التدخلية الخشنة الصريحة المباشرة في دول مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن، وكأن هذا النظام يفسر القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة على هواه، ويأخذ منها مايريد ويترك منها مايشاء!
هذا النظام البائس لا يريد أن يفهم أن مصيره إلى زوال وأن القبضة الباطشة لا يمكن أن تكون الضامن الوحيد لاستمراره، ويتجاهل عن عمد رسالة المحتجين في مدن لبنان والعراق، بل وايران نفسها، فالمتظاهرين الذين هاجموا المساجد والمؤسسات الإسلامية التابعة للملالي لا يعبرون سوى عن غضبهم ويأسهم من سياسات هذا النظام الذي يتحكم في مصيرهم باسم الدين وشعارات لم تعد تغني ولا تسمن من جوع.
الخلاصة أنه كان متوقعاً بنسبة كبيرة أن ينجح نظام الملالي في إخماد أي حراك شعبي ضده، بل يمكن القول أن نسب نجاح الاحتجاجات الشعبية في الضغط على النظام تبدو قليلة في ظل سياسات البطش والرعب التي ينتهجها ضد المتظاهرين، ولكن هذا لا يعني ضمان بقاء النظام في سدة الحكم، فالغضب الشعبي يبدو ككرة الثلج يكبر بمرور الأيام، وسيأتي الوقت المناسب لتتدحرج هذا الكرة وتقضي على ما يواجهها مهما كان حجم قوته وبطشه، فقد ذكرت دراسة أصدرها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في الولايات المتحدة أن عدد الاحتجاجات الشعبية في إيران، خلال العامين الماضيين، قد بلغ نحو 4200 احتجاج في الفترة من دیسمبر 2017 إلى أكتوبر 2019، أي أن إيران تعيش حالة احتجاجية مزمنة والكثير من هذه الاحتجاجات لا يحظى بأي تغطية إعلامية بسبب التعتيم الإعلامية التام على ما يدور في الداخل الإيراني، وبالتالي فإن وقت الانفجار الكبير قادم لا محالة.