لاشك أن تاريخ العالم حافل بأنظمة الحكم والقادة الذين سيطرت عليهم أفكار الهيمنة الاستعمارية والفكر التوسعي الذي ساد العالم لقرون وعقود طويلة خلال الحقب الاستعمارية المختلفة. ولم يشهد العالم قدراً من الأمن والاستقرار سوى بانهاء هذه الحقب وتصفية معظم الجيوب الاستعمارية وفتح صفحات جديدة من التاريخ البشري قائمة على التعاون والتفاهم وحسن الجوار من خلال قوانين ومواثيق ومبادىء تحفظ للدول سيادتها واستقلالها.
ورغم أن هناك دولاً عدة اعضاء في منظمة الأمم المتحدة ويفترض أن عضويتهم تمثل التزاماً بالمبادىء والأسس والقواعد التي تقوم عليها المنظمة، فإننا نجد أن هذه الدول تنتهج سلوكيات سياسية وأمنية وعسكرية تناقض تماماً كل ما وقعت عليه من مبادىء ومواثيق وأعراف أممية، وفي مقدمة هذه الدول وعلى رأسها ياتي نظام الملالي الايراني، الذي يخرق ميثاق الأمم المتحدة علناً بإعلانه احتلال عواصم دول عربية ذات سيادة وأعضاء في الأمم المتحدة! ولا يكتفي بذلك بل يحاول أن يلعب دور "الوصي" على جواره الاقليمي ويغضب إن مارست دولة من الدول المجاورة حقوق السيادة التي تتمتع بها وقررت اقامة تعاون استراتيجي في مجالات صحية أو اقتصادية أو غير ذلك من دولة أخرى!
وتمثل ردود أفعال القادة والمسؤولين الايرانيين خير مثال على فكرة "الوصاية" التي تسكن عقل الملالي وتحرك ألسنتهم وتفسر تصريحاتهم مواقفهم الغريبة تجاه قرار دولة الامارات اقامة علاقات مع اسرائيل، فبعض قادة الملالي يرونه "خطأ كبير"، والبعض الآخر يراه "ذنب لا يغتفر" وآخرون يرونه "خيانة سافرة"، في اجترار سخيف لمفردات سبق أن وجهت إلى دول وأطراف عربية أخرى ارتأت أن تمضي في مسار التعاون بديلاً للصراع والمواجهة.
منطق "الوصابة" الايراني يبدأ حين يتخلى الملالي عن النقد وتنتقل تصريحاتهم إلى مربع التهديد، وفي ذلك يقول اللواء علي فدوي، نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، إن بلاده لن تسمح بفتح أبواب المنطقة لإسرائيل، عبر بعض دولها"، ويضيف فدوي "أن هذه الدول لن تكون بمأمن من تداعيات خطوات التطبيع، وأن "قصور حكامها الزجاجية لن تحميهم أمام قوة الثورة الإسلامية، ولن تصمد أمام أحجار أطفال فلسطين"، حسب تعبيره.
مثل هذه التصريحات تتنافى تماماً مع مبادىء حسن الجوار والاحترام المتبادل الذي يفترض أن يحكم العلاقات الدولية، وتعد نموذجاً لفكر الهيمنة والوصاية الذي يسيطر على عقول ملالي إيران، الذين يعتقدون أن المنطقة العربية ساحة مستباحة لأفكارهم ومشروعاتهم الاستعمارية الطائفية البغيضة؛ ويستغلون في ذلك أذرعهم وعملائهم وأموالهم التي توفر لهم القليل من الذمم الخربة والنفوس الضعيفة والاقلام والوجوه الاعلامية العميلة التي تروج لهذا الفكر البغيض بدعاوى وشعارات وذرائع مختلفة.
اللافت أن الملالي الذي تغلغلوا بطرق غير مشروعة إلى دول عربية مختلفة يرفضون أن تمارس دولة عربية سيادتها وحقوقها المشروعة في بناء علاقات ثنائية مع من تراه من دول العالم، رغم أن الامارات أكدت غير مرة بشكل رسمي أن الاتفاق مع اسرائيل لا يستهدف إيران، وهو بالتأكيد لا يستهدف إيران ولا غيرها من الدول لأن المسألة أهم وأوسع من تلك الأفكار الأمنية الواهية التي تسيطر على فكر الملالي، فالأمر يتعلق بمستقبل منطقتنا وشعوبنا ومصالح ملايين البشر الذين يتطلعون إلى الاستفادة من التطور والتقدم العلمي من خلال فتح جسور التعاون وتبادل الخبرات والمعارف مع مختلف الدول.
يدرك الملالي جيداً أن مراقبة والتجسس على مشروعاتهم العسكرية النووية السرية لا تحتاج إلى قرب جغرافي ولا إلى وجود مادي اسرائيلي على الشاطىء الآخر من الخليج العربي، وأن الأمر لا يتعلق بسعي إسرائيل لا يجاد وطىء قدم في منطقة الخليج، وكل هذه أبجديات عسكرية واستراتيجية يعرفها الملالي جيداً، ويعرفون أيضاً أن دولة الامارات لا تفكر سوى في بناء مستقبل أفضل لشعبها وبقية الشعوب العربية والاسلامية، وأنها تسعى للريادة في ركب التنافسية العالمية على صعيد التنمية، ولا تشغلها الحروب ولا الصراعات العبثية التي تستنزف قدرات الملالي وأموال شعبهم، ولكنهم يجيدون لعبة خلط الأوراق وخداع البسطاء من خلال شعارات زائفة.