تحدث تقارير إعلامية عدة في الآونة الأخيرة عما وصفته بخطأ بروتوكولي وقع فيه وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد اللهيان خلال مشاركته في قمة بغداد التي جمعت الدول الاقليمية المجاورة للعراق، حيث وقف الوزير الايراني الجديد في الصف المخصص لرؤساء الدول عند التقاط الصورة التذكارية للمؤتمرين. والحقيقة أن هذا المشهد يبدو مهماً للغاية لاسيما أن احتمالية وقوع الأخطاء في مثل هذه المناسبات تبدو ضعيفة للغاية لأسباب واعتبارات عدة أهمها أن موظفي البروتوكول عادة مايحيطون المسؤولين المشاركين علماً بمثل هذه الاجراءات قبلها، ناهيك عن احاطات مساعديه، فضلاً عن أن الوزير ذاته ليس حديث العهد بالعمل في المجال الدبلوماسي كي يقع في مثل هذه الأخطاء، فالأمر يتعلق ببروفيسور متخصص تحديداً بالعلاقات الدولية، وعمل سابقاً بمنصب نائب وزير الخارجية الايراني، والمساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى الايراني للشؤون الدولية، وبالتالي فإن المراسم البروتوكولية البديهية في مثل هذه الاجتماعات لا يمكن أن تكون غائبة عنه أو يمكن أن يغفل عنها بشكل غير مقصود لاسيما أنه حديث العهد بمنصبه الجديد كوزير للخارجية وفي أول ظهور دولي له ما يعني أنه يراعي كل خطوة وكل إشارة وحرف يصدر عنه.
عبد اللهيان الذي لم يظهرـ خلال أو بعد التقاط الصورة التذكارية للقمة ـ أي إشارة على حدوث خطا بوتوكولي غير مقصود من جانبه أو يقدم اعتذاراً عما اعتبره البعض خطأ، أو حتى يوجه أحد من المقربين بتفسير الموقف، تصرف بشكل يوحي بأنه أراد عن عمد إرسال رسالة للجميع تحمل الكثير من المعاني والدلالات منها أن إيران في صدارة المؤثرين في الملف العراقي، وأنه لا يمكن أن تخضع للاجراءات البروتوكولية وتقف في الصف الثاني!
الواقع يقول أن نظام الملالي الايراني الذي ينتهك المواثيق والقوانين الدولية بشكل سافر بتدخلات توسعية في دول عربية، ثم يتباهي علناً باحتلال أربع عواصم عربية، لن يتورع أو يفكر ـ ولو للحظة ـ في خرق قواعد البروتوكول في مناسبة مهمة كقمة بغداد، فالمسألة بالنسبة للملالي ليست كما يراها البعض، فهم يتصرفون مع جوارهم الاقليمي ومع العالم أجمع وفق منظورهم الاستراتيجي الضيق، الذي يتوهم قدرتهم على فرض رؤاهم على الجميع من خلال سياسة الأمر الواقع.
الحقيقة أن بعض التقارير أعطت لهذه اللقطة دلالات خيالية مثل الانتقاص من سيادة العراق وغير ذلك، فالصورة التي التقطت للوزير الايراني وهو يخترق البروتوكول لا تدين أحداً غير المخطىء ذاته، ولا توفر أي انطباعات أو ايحاءات وتفسيرات سوى عن سلوك نظام الملالي، والأمر لا علاقة له بسيادة العراق لأنه ليس مطلوباً من مسؤولي البروتوكول العراقييين سحب الوزير الايراني من ذراعه وإرجاعه للخلف، بما يعنيه ذلك من أزمة دبلوماسية كبيرة في وقت تسعى فيه بغداد للتغلب على الواقع الذي يعرفه الجميع من خلال جهود مكثفة تبذلها على مسارات شتى.
الصورة تعكس بوضوح معضلة نظام الملالي التي تكمن في رؤيته العبثية للقانون الدولي بما يدفعه للضرب بعرض الحائط بكل القواعد الناظمة للعلاقات الدولية، وفي مقدمتها مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، فالملالي لا يريدون التعامل بشكل ندي مع جوارهم الاقليمي، بل يتعاملون وفق نظرة استعلائية تعكسها الكثير من مواقفهم وتصريحات قادتهم، فضلاً عن الكارثة الأكبر التي تتمثل في رغبة الملالي في لعب دور الوصاية على الشيعة في دول الجوار من دون مراعاة لأمور تخص سيادة هذه الدول واعتبارات المواطنة التي تخص علاقة هؤلاء بدولهم!
تحليل المشهد برمته يوحي بأن وزير الخارجية الايراني، بكل ما يحمله من موروثات وأفكار أيديولوجية متشددة، لم يقع في خطأ بروتوكولي، بل سعى إلى مثل هذه اللقطة التي ترضي غرور قادته في طهران، بالنظر إلى ما تحمله من دلالات أرادوا تسجيلها في هذه القمة، فضلاً عن كونه أراد ـ بشكل شخصي ـ تدشين فترة عمله بخطوة مثيرة للجدل ربما يعتقد أنها قد تسهم في ردم الفجوة التي تفصل بينه وبين الوزير السابق محمد جواد ظريف، الذي يدرك الجميع أنه ترك فراغاً دبلوماسياً كبيراً يفترض أن يحتاج شغله إلى جهد كبير، ولكن متشددي الملالي غالباً مايفضلون الأفعال والممارسات المثيرة للجدل للفت الأنظار وجذب الانتباه إليهم في مثل هذه المواقف.