العلاقة بين نظام الملالي الايراني وحركة "طالبان" يحكمها موروث من الشكوك والهواجس وانعدام الثقة، واليوم باتت علاقة الضرورة، حيث لا غنى للملالي عن التحاور مع الحركة وبناء علاقات براجماتية معها، ولكن ذلك لا ينفي شعور النظام الايراني بالعجز وعدم القدرة على التحرك من أجل حماية الشيعة الأفغان كما اعتاد أن يفعل في دول أخرى مجاورة.
شيعة أفغانستان أو أقلية الهزارة التي تعد ثالث أكبر مجموعة عرقية في البلاد، بنسبة تتراوح بين 10ـ 15 % من إجمالي مجموع السكان، عاشوا سنوات طويلة من الصدام والصراع مع حركة "طالبان" الباشتونية، ثم باتوا مؤخراً هدف لتنظيم "داعش ـ خراسان"، الذي نفذ عمليات اجرامية عدة ضد مساجد تابعة للشيعة الأفغان، ما يضع نظام الملالي الايراني في موقف صعب للغاية، كونه انتقل من حالة العداء مع طالبان إلى نسج علاقات مصالحية قوية مع الحركة.
المعضلة التي تواجه الملالي تكمن في صعوبة التدخل في أفغانستان من أجل حماية الشيعة كما فعل الحرس الثوري والميلشيات التابعة له في دول أخرى مجاورة، حيث تدخلت إيران بدافع طائفي ومن خلال أذرع ميلشياوية مسلحة وشبكة من الوكلاء الاقليميين الذين يشرف عليهم ويديرهم الحرس الثوري الايراني، وأفغانستان قد لا تكون استثناء من هذه الأنشطة، فلواء "فاطميون" الذي تدخل في سوريا تحت قيادة إيرانية يتشكل من شيعة الهزارة الأفغان، فهل يمكن للملالي إعادة توجيه هذه القوة الطائفية لخوض صراع ضد "داعش ـ خراسان" لوقف اعتداءات التنظيم ضد الشيعة الأفغان؟.
المؤكد أن "طالبان" لن تقبل بوجود أي ميلشيا تابعة للنظام الايراني على الأراضي الأفغانية، خشية أن يتكرر السيناريو العراقي أو اللبناني ويتحول نفوذ هذا الميلشيا إلى تحد خطر يهدد نفوذ حكومة طالبان مستقبلاً، لاسيما أن "طالبان" تدرك مدة خطورة لواء "فاطميون" والخبرات العسكرية التي اكتسبها طيلة سنوات الحرب في سوريا، وبالتالي فليس أمام الملالي سوى محاولة التوصل إلى طريقة تضمن خلالها حماية اقلية الهزارة من دون التدخل عسكرياً في البلد المجاور.
في جميع الأحوال يمكن القطع بأن الحرس الثوري الايراني لن يقدم على التدخل العسكري المباشر في أفغانستان لأسباب واعتبارات عدة منها الخوف من تحول الصراع على أرض هذا البلد إلى "مستنقع" يتم خلالها تصفية قوات الحرس الثوري واغراقه في المستنقع الأفغاني، ومنها أيضاً دروس الماضي القريب والبعيد للجيوش الكبرى في أفغانستان، بما يجعل فكرة التدخل لأيران أو غيرها مغامرة غير محسوبة ولا مأمونة العواقب.
الحقيقة أن نظام الملالي ظل ينظر ـ منذ سنوات طويلة ـ إلى أي تدخل عسكري في أفغانستان بريبة شديدة، فالعلاقة بين الجانبين تخيم عليها الشكوك منذ هجوم عناصر حركة "طالبان" على مزار الشريف شمال أفغانستان عام 1998 ومقتل عدد من الدبلوماسيين الايرانيين، حيث حشدت إيران قواتها على حدود أفغانستان ولكنها امتنعت في الأخير عن التدخل انتقاماً لدبلوماسييها بتعليمات عليا من المرشد الأعلى علي خامنئي خشية التورط في رمال أفغانستان المتحركة. ورغم تغير نظرة الملالي إلى حركة طالبان على الأقل من باب المصالحية السياسية، والرغبة في امتلاك موطأ قدم في أفغانستان، فإن من الصعب توقع حدوث أي تدخل إيراني في أفغانستان سواء من خلال الدفع بعناصر "فاطيمون" أو من خلال تسليح الهزارة وتمويلهم من أجل خوض صراع ضد تنظيم "داعش ـ خراسان".
ايران التي انضمت من قبل إلى الولايات المتحدة وروسيا ودول أخرى لدعم التحالف الشمالي الأفغاني ضد طالبان لا تريد اليوم الدخول في أي مواجهة مع الحركة الأفغانية، لاسيما أن العلاقات بين الجانبين قد تغيرت كثيراً حتى أن طهران قد استضافت وفد من ممثلي طالبان من المكتب السياسي المؤقت للحركة في الدوحة بقيادة الملا عبدالغني برادر الذي يشغل الآن منصب نائب رئيس الوزراء الأفغاني لمناقشة الوضع في أفغانستان، والمؤشرات جميعها تؤكد أن إيران تسعى إلى بناء علاقات عمل براجماتية مع طالبان، وتسعى بكل الطرق للتعاون مع دول أخرى مثل روسيا والصين والهند من أجل اقناع الحركة بتشكيل حكومة موسعة وإشراك كافة الطيف الأفغاني في حكم البلاد.
لا يمكن لأحد توقع أي تدخل إيراني لحماية شيعة أفغانستان سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، والأرجح أن يركز الملالي على دعم الجهود الاقليمية والدولية الخاصة بدعم حركة طالبان وتشجيعها على مواجهة تنظيم "داعش ـ خراسان" والقضاء عليه فضلاً عن إلزامها بتوفير الحماية الأمنية اللازمة للهزارة ومساجدهم، لاسيما أن التنظيم لا يستهدف شيعة أفغانستان فقط، بل يمتد خطره لدول أخرى عديدة.