ذكرت مصادر إعلامية أمريكية أن إدارة الرئيس بايدن قدمت عرضا لدولة إسرائيل يقضي بمساعدتها في تحديد مواقع اختباء قادة "حماس الإرهابية" على أن تتخلى حكومة نتنياهو عن اقتحام مدينة رفح. وبحسب المصادر، فإن إدارة بايدن، التي تعمل بشكل عاجل لدرء اجتياح إسرائيلي واسع النطاق لرفح، أو هكذا تعلن على الأقل، وعدت بتقديم مساعدة قيمة لدولة إسرائيل إذا تراجعت الأخيرة، بما في ذلك معلومات استخباراتية حساسة لمساعدة الجيش الإسرائيلي على تحديد مواقع قادة "حماس"، والعثور على الانفاق المخفية للحركة في القطاع.
ماسبق يقود تلقائياً لاستنتاج مفاده أن الولايات المتحدة الأمريكية تعلم مسبقاً، أو تمتلك ـ على الأقل ـ معلومات يمكن تقود إلى التعرف إلى أماكن اختباء قادة حماس الإرهابية في قطاع "غزة"، وهو مايثير تساؤلات حول صحة هذا العرض أو حقيقته لاسيما أن الولايات المتحدة تعمل جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل منذ بدء الحرب عقب هجوم "حماس" الإرهابي الدموي في السابع من أكتوبر الماضي.
البديهي أو ظاهر الأمور أن دولة إسرائيل تحصل على معلومات استخباراتية دقيقة من الولايات المتحدة ودول أوروبية، مثل بريطانيا، كانت طائراتها تقوم بمهام "مسح" سماء قطاع غزة ليل نهار، وبالتالي لا يعتقد أن هناك معلومات تم اخفائها عن الجانب الإسرائيلي، ما يضع علامات استفهام حول مغزى هذا العرض الأمريكي.
هذا العرض الأمريكي يمكن تفسيره في ضوء نقطتين مهمتين أولهما أن الولايات المتحدة تمتلك معلومات استخباراتية مؤكدة حول أماكن اختباء قادة "حماس الإرهابية " وتمتلك أدلة موثقة في هذا الشأن تم اخفائها عمداً عن الجيش الإسرائيلي للسماح له بمواصلة عمليته العسكرية في قطاع غزة من أجل تحقيق أهداف استراتيجية محددة تحظى باهتمام ودعم الولايات المتحدة. والسبب المحتمل لاخفاء هذه المعلومات أن اعتقال قادة "حماس الإرهابية"، كان كفيلاً بانهاء عمليات الجيش الإسرائيلي في القطاع وعدم وجود أي مبرر لمواصلة القتال، وهو مالم تكن الولايات المتحدة ترغب فيه، وبالتالي فهي تستخدم هذه المعلومات الآن كورقة مهمة لحسم الموقف ووقف القتل بعد أن أصبح استمراره أكثر كلفة للرئيس الأمريكي في ظل تصاعد الضغوط والجدل الداخلي منذ اشتعال مظاهرات طلاب الجامعات الأمريكية احتجاجاً على استمرار الحرب الدائرة في غزة.
النقطة الثانية أن الولايات المتحدة ليس لديها معلومات استخباراتية راهنة حول أماكن اختبار قادة "حماس الإرهابية" ولكنها ترى أن الأقل كلفة سياسية بالنسبة لها هو المشاركة بشكل مباشر مع إسرائيل في إطار عملية استخباراتية واسعة لمسح القطاع للوصول إلى هذه الأماكن، حيث يمكن أن تضمن الولايات المتحدة في هذه الحالة التعاون مع أطراف عربية أخرى للحصول على معلومات استخباراتية حول قيادات الحركة الإرهابية في القطاع، أو التحرك مع الدول العربية المجاورة وتوظيف كافة القنوات الاستخباراتية إقليمياً للوصول إلى هذه المعلومات. بمعنى تشكيل تحالف استخباراتي/ عسكري اقليمي واسع يمكن أن يساعد دولة إسرائيل في حسم المعركة وتحقيق أهدافها بشأن اعتقال قادة "حماس الإرهابية "، واكتشاف شبكة الانفاق بشكل دقيق، وهو تحالف شبيه بالتعاون الدفاعي الاقليمي الذي قادته الولايات المتحدة وأسهم بفاعلية في التصدي للهجوم الإيراني ضد إسرائيل الشهر الماضي.
مشكلة هذه العروض أنها تأتي متأخرة ولا تلقي تجاوبا، وبالتالي فإن طوق النجاة الوحيد للإفلات من هذا المأزق يتمثل في تحقيق أهدافه المعلنة سواء فيما يتعلق باستعادة الرهائن أو قتل/ اعتقال قادة "حماس الإرهابية" ولاسيما زعيمها يحيى السنوار،ما يفسر الإصرار على مواصلة القتال باعتباره الطريق الوحيد الذي تريد حكومة نتنياهو الذهاب إلى نهايته مهما كانت الكلفة الاستراتيجية.
دولة اسرائيل التي لا تتجاوب مع العروض الأمريكية أحكمت سيطرتها بقوة على معبر رفح الحدودي في خطوة تستهدف بالأساس تعظيم الضغوط على قادة "حماس الإرهابية" وإبلاغهم بأن الحلقة ضاقت عليهم ولم يعد هناك مجال للهرب أو الخروج بسلام من هذه الحرب، كوسيلة ضغط هائلة للحصول على تنازلات من الحركة الإرهابية بشأن وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المتبقين لديها، ولكن يبدو أن هذا الرهان الإسرائيلي محفوف بالمخاطر لأن "حماس الإرهابية" وزعيمها يحيى السنوار قد يقرران بالنهاية مواصلة القتال مهما كانت الكلفة والخسائر المحتملة لإدراكهم أنه الخيار الأقل سوءاً من وجهة نظرهم مقارنة بالاستسلام أو حتى الخروج من القطاع في إطار صفقة يصعب توقع موافقة إسرائيل عليها في ظل ما حدث.
بلاشك أن التسريبات الإعلامية حول أزمة غزة تستهدف في معظمها إبراء الذمة لحسابات انتخابية وسياسية، وقد لا يكون بعضها حقيقياً، لاسيما أن الجانبين الأمريكي والإسرائيلي باتا يمشيان على حبل مشدود للغاية في ظل الضغوط الداخلية المتزايدة.