من خلال متابعة الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" الذي كان يمضي خلال الأيام الفائتة وفق خطة يتم تنفيذها بهدوء للضغط على المدنيين للنزوح وتفريع رفح من سكانها في إطار خطة مرحلية بدلاً من الاجتياح الكامل والسريع كما حدث في شمال القطاع، وفي مقال له الشهر الماضي، كتب توماس فريدمان عن خياران لاثالث لهما وضعتهما إدارة الرئيس بايدن أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كي يفاضل بينهما وهما رفح أم الرياض، بمعنى القبول بتطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية مع ما يترتب على ذلك من مكاسب استراتيجية لإسرائيل بما في ذلك انهاء العزلة الدولية التي تسببت فيها حرب غزة، أو الإصرار على اجتياح رفح بتكلفته الهائلة اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وبقاء حالة العزلة الدولية المفروضة على إسرائيل.
ولكن يبقى التفكير الأمريكي الذي نقله توماس فريدمان عن مسؤول أمريكي كبير والذي قال فيه: "دعونا نتذكر أن إسرائيل اعتقدت أن قادة حماس موجودون في خان يونس، فقامت بتدمير جزء كبير منها بحثاً عنهم ولم تجدهم. وفعلوا الشيء نفسه مع شمال غزة . ماذا حدث؟ بالتأكيد، قُتل الكثير من مقاتلي حماس هناك، لكن العديد من مقاتلي حماس الآخرين اختفوا بين الأنقاض وعادوا ليطلقوا الصواريخ مجدداً، وهذا صحيح تماماً، ولكن نتنياهو وقادة الجيش الإسرائيلي يرون أن رفح مختلفة لأنها المأوى الأخيرة لحماس وإن الحركة إن آجلاً او عاجلاً سيتم تصفيتها نهائياً في ضوء الضغط العسكري الإسرائيلي المتواصل في كافة أرجاء القطاع.
الولايات المتحدة تخشى على حليفتها إسرائيل أخطاء تجربة العراق وما أسفرت عنه من تمرد أنهك الجيش الأمريكي، وترى ضرورة وجود شريك فلسطيني موثوق يمكنه الاضطلاع بمهام حفظ الأمن، فضلاً عن أن صور غزة بعد اجتياح رفح مع المعاناة الانسانية المتوقعة لأكثر من مليون نازح في ذروة الانتخابات الرئاسية الأمريكية سيكون كارثة علاقات عامة بالنسبة لحملة الرئيس بايدن.
بلاشك أن ما تسرب من مضمون الاتفاق الاستراتيجي الذي يجري التفاوض بشأنه منذ أشهر بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ينطوي على مكاسب كبيرة للطرفين، ولاسيما فيما يتعلق بتطلع المملكة لتطوير التكنولوجيا النووية المدنية وقطاع الذكاء الاصطناعي، وانخراط إسرائيل في عملية تطبيع مع المملكة العربية السعودية بموجب هذا الاتفاق يعد مكسباً استراتيجياً هائلاً لتل أبيب، ولكن نتنياهو يعتقد فيما يبدو أن من الممكن ضرب عصفورين بحجر واحد، أو تحقيق الهدفين معاً ـ بغض النظر عن الأولويات ـ في وقت قصير نسبياً، ولكن الرياض وفقا لما هو معلن قد لا تقبل تهميش فكرة حل الدولتين ، أو حتى وجود أفق لدولة فلسطينية، وتقبل بواقع جديد في الأراضي الفلسطينية لا ينطوي على أي شىء سوى المعاناة الانسانية، كما يصعب كذلك توقع قبول المملكة العربية السعودية بتمويل أي خطة إعمار من دون ضمان الأمن والاستقرار بشكل مستدام، واعتقد أن هذا هو موقف خليجي مشترك، حيث يرفض الجميع تمويل مدن يتم تدميرها بعدها بسنوات وربما أشهر بسبب غياب أي تسوية سياسية للصراع. إذا كان نتنياهو قد اختار رفح على الرياض، فقد يكون ذلك بسبب الاعتبارات الإستراتيجية والسياسية التي تتعلق بالتطورات في المنطقة، ولكن يجب النظر في أهمية السلام والاستقرار في المنطقة بشكل عام؟ يتعين على القادة السياسيين والدوليين العمل على إيجاد حلول دبلوماسية للصراعات القائمة وتعزيز الحوار والتفاهم بين الأطراف المعنية. وبالتالي فمن الضروري أيضًا التركيز على إعادة بناء المدن المتضررة وتوفير الدعم اللازم للنازحين والمتضررين من هذه النزاعات.
علاوة على ذلك، ينبغي على القادة السياسيين أن يعترفوا بأن الحلول العسكرية للصراعات لا تعود بالنفع المطلوب على المدى الطويل، وبالتالي يجب التركيز على الحوار والتفاوض كوسيلة رئيسية لحل النزاعات. وكما يجب تعزيز العمل الدولي المشترك لمكافحة الإرهاب وتطوير البرامج الإنمائية والاقتصادية للمساهمة في بناء المستقبل المستدام للمنطقة. إن تحقيق السلام والاستقرار يعتمد على التعاون والتضامن الدولي لمواجهة الإرهاب والدول الداعمة له وكذلك التحديات المشتركة وتحقيق الرخاء والازدهار للجميع في المنطقة.