من يتابع تطور الأحداث في موضوع الإساءة للمقدسات الإسلامية، ولاسيما ما يتعلق بحرق نسخ من القرآن الكريم في دول أوروبية، يدرك أن الأمر على درجة عالية من الخطورة سواء على مستوى التعاون الدولي المفترض في مكافحة التطرف والفكر الارهابي، ومن ثم تنظيماته العنيفة، أو على مستوى جهود نشر ثقافة التسامح والتعايش بين مختلف الأمم والشعوب.
بلاشك أن تمترس بعض الحكومات الأوروبية وراء مفهوم حرية التعبير في الدفاع عن هذه التجاوزات والانتهاكات أمر غير مبرر ولا مفهوم إذا أخذنا بالاعتبار حسابات الربح والخسائر في النظر إلى هكذا قضية بالغة الحساسية وتمس مشاعر أكثر من مليار ونصف من المسلمين في أرجاء العالم، بمن فيهم مواطني هذه الدول من المسلمين، ولكن التطور الذي يلفت انتباهي في هذه القضية أن التفاعل مع هذه الانتهاكات إسلامياً لم يعد يقتصر على الإطار البرتوكولي الرسمي سواء عبر التعبير عن الاحتجاج رسمياً أو عبر إبلاغ مواقف الدول الغاضبة للسلطات المعنية في الدول الأوروبية، حيث دخلت على الخط، وهذا أمر متوقع تماماً، تنظيمات معروفة بالتشدد، مثل الحرس الثوري الإيراني، الذي هدد على لسان قائده اللواء حسين سلامي بالانتقام قائلاً "إن "من يسيء للقرآن الكريم لن يكون في مأمن، وعاجلا أم آجلا، يد انتقام المجاهدين ستحدد أشد عقوبة لمرتكبي هذه الجريمة"، مضيفاً أنه "لن نسمح لمن يسيء للقرآن بأن يكون في مأمن. إذا أراد أحد أن يتخذ من ديننا وقرآننا لعبة له، فسوف يلعب بعالمه كله".
تكرار وقائع الإساءة للقرآن الكريم في الدنمارك والسويد يجب أن يتوقف، وأن يتم التصدي لهذه الانتهاكات من جانب السلطات المعنية في الدولتين بكل قوة وحزم، حفاظاً على الأمن والاستقرار العالمي، لأن الطريقة التي يدار بها الموضوع غربياً تغذي العداء بين الإسلام والغرب، وتوفر بيئة مواتية وفرصاً مجانية لنشر الفكر الإرهابي، بما يمثل خطراً على هذه الدول نفسها.
ولاشك أن دخول تنظيمات مثل الحرس الثوري الإيراني وغيره من التنظيمات على خط هذه الأزمة لا يصب في مصلحة الإسلام والمسلمين ولا الغرب ذاته، لأن الحديث بهذا الشكل الوارد على لسان قائد الميلشيا الإيرانية يمثل توظيفاً لهذه الإنتهاكات في دغدغة مشاعر ملايين المسلمين البسطاء، رغم أن التصريحات تدخل الأزمة في نفق لا نهاية له!
لا أحد عاقل يتمنى أن تعالج مثل هذه الأمور خارج النطاق القانوني، وحيث يفترض أن تتصدى السلطات المعنية في الدول الأوروبية التي كانت ولا تزال ساحة لهذه الانتهاكات المرفوضة، لهؤلاء المتطرفين بدلاً من ان تمنحهم موافقات أو ضوء أخضر لارتكاب هذه الجرائم بزعم حرية التعبير، ولكن صمت هذه الدول على الإنتهاكات والسعي لتبريرها بدلاً من إدانتها، يغذي التطرف ويشجع المتطرفين في العالم الإسلامي على رفع أصواتهم واستقطاب الكثيرين لمواقفهم وأفكارهم الداعية للانتقام والدفاع عن الإسلام وغير ذلك من شعارات.
صمت السلطات المعنية في الدول الأوروبية وتكرار الإنتهاكات المسيئة لمشاعر المسلمين جميعاً، يضع أيضاً حكومات الدول الإسلامية في حرج سياسي بالغ، ويقوض جهود هذه الحكومات لاستئصال التطرف والفكر المتشدد من المجتمعات، وربما يغل يد هذه الحكومات في التصدي لممارسات مرفوضة مثل محاولات إقتحام سفارات الدول الأوروبية ذات الصلة، أو الاعتداء على هذه السفارات وغير ذلك من ممارسات ظاهرها الغيرة والغضب على الإسلام، وباطنها المتاجرة بالشعارات ودغدغة المشاعر وتوظيف هذه الإنتهاكات المسيئة بالفعل للإسلام والمسلمين في تحقيق أهداف تنظيمات متطرفة، ونشر أفكارها في المجتمعات.
بلاشك أن تكرار أفعال مشينة تمس مشاعر المسلمين جميعاً لا يمكن تفسيرها في أي إطار سياسي أو قانوني، فالمفاهيم الخاصة بالحفاظ على الحريات واضحة ولا لبس فيها، وما يحدث ويتكرر ليس سوى إنتهاك لهذه المفاهيم الدستورية والقانونية قبل أن يكون انتهاكاً للمقدسات الإسلامية أو غيرها، فالقوانين والدساتير جميعها وضعت لتحفظ أمن واستقرار الدول والشعوب، وتحول دون وقوع ما يقض هذا الأمن أو يتسبب في تقويضه، وبالتالي فإن السماح بأي إنتهاك للمشاعر لا علاقة له بالحفاظ على الحقوق الدستورية وينطوي على قراءة أو فهم مغلوط للواقع والنتائج المتوقعة بشكل متعمد أو جراء قصور في فهم الموضوع من جوانبه كافة، ناهيك عما تفرزه مثل هذه القرارات والمواقف من عواقب كارثية على ثقافة التسامح والتعايش التي تمثل طوق النجاة الوحيد للبشرية جمعاء للابتعاد عن وباء العنف والارهاب واستئصاله بشكل تام.