تمثل إنتخابات الرئاسة التركية التي ستجرى في الرابع عشر من الشهر الجاري إحدى أبرز اهتمامات المنطقة والعالم لأسباب عدة أبرزها ما يتعلق بالتعرف إلى بوصلة السياسة الخارجية التركية خلال المرحلة المقبلة، وهل تمضي تركيا في الاتجاه الذي رسمه الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، المرشح للفوز بولاية رئاسية ثالثة، أم ستفتح صفحة جديدة في حال فوز كمال كيليجدار أوغلو مرشح المعارضة المدعوم من تحالف المعارضة المكون من (6) أحزاب، والذي تعهد بإعادة النظر في جميع سياسات أردوغان.
أردوغان، الرئيس التركي الحالي الذي يوجه سياسات بلاده منذ عقدين كاملين وتحديداً بعد توليه رئاسة الوزراء في مارس عام 2003، عقب فوز حزب "العدالة والتنمية" بانتخابات عام 2002، يواجه هذه المرة تحدياً صعباً، ليس فقط من جانب المعارضة ولكن أيضاً لأن حزبه لم يعد كما كان في السابق، فضلاً عن تقدم أردوغان نفسه في العمر (69 عاماً تقريباً)، ولم يعد بنفس الأهلية الصحية التي كان عليها حين حتى في بدايات ولايته الرئاسية الحالية.
شهدت فترة أردوغان، سواء في رئاسة الوزراء أو رئاسة البلاد، تغيرات وتحولات وانعطافات نوعية كبرى، ابتداء من غزو العراق، وحتى إندلاع حرب أوكرانيا، مروراً بالأحداث في سوريا وسنوات الفوضى والاضطرابات التي شهدها العالم العربي، والتي تداخل فيها بشكل مباشر بمساندته ودعمه لتنظيم "الأخوان المسلمين"، ولاسيما في مصر، حيث تسببت مواقفه في قطيعة وتوتر بين البلدين لسنوات ليست قليلة، حتى انتهت خلال الأشهر الأخيرة في إطار تحولات جيوسياسية إقليمية لانهاء الخلافات القائمة بين العواصم الفاعلة داخل الإقليم.
داخلياً، شهدت تركيا تغيرات مؤثرة خلال فترة حكم أردوغان، ويكفي أنها انتقلت خلال تلك الفترة من نظام حكم برلماني إلى نظام حكم رئاسي تعهد منافسه في الانتخابات المقبلة بتغييره وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه في مشهد اصطفاف وتوحد للمعارضة التي راهن الحزب الحاكم على انقسامها وتفتتها كما حدث في مرات سابقة.
ربما كان الوضع سيختلف قليلاً بالنسبة لفرص أردوغان في الانتخابات المقبلة لو لم يحدث الزلزال الأخير، الذي أضاف صعوبات جمة في طريق الرئيس التركي للفوز بولاية ثالثة، فبحسب تقديرات البنك الدولي فإن الزلزالين الكبيرين اللذين وقعا في فبراير الماضي قد تسببا في خسائر للاقتصاد التركي تقدر بنحو 34 مليار دولار، أي مايعادل نحو 4% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، وذكر التقرير أن تكاليف التعافي وإعادة الإعمار ستكون أكبر بكثير، ومن المحتم أن تزيد بواقع الضعف، وأن خسائر إجمالي الناتج المحلي المرتبطة بالاضطرابات الاقتصادية العالمية ستزيد أيضا من تكلفة الزلازل، حيث تسببت الزلزالين في فقدان نحو 5ر1 مليون شخص لمنازلهم جراء الأضرار التي أصابت المباني أو انهيارها بشكل تام.
لو أضفنا ماسبق إلى آثار الأزمة الاقتصادية الشديدة التي يعانيها الاقتصاد التركي في السنوات الأخيرة، حيث تدهورت قيمة العملة المحلية وارتفع التضخم إلى معدلات قياسية فاقت ألـ 50%، لأدركنا حجم المعاناة التي تسهم في تعقيد وضع أردوغان وحزبه سياسياً بشكل غير مسبوق، وقد صمم أردوغان على عقد الانتخابات في موعدها رغم الدعوات لتأجيلها، مقابل تصميم المعارضة على عقدها اعتقاداً منها بأنها توفر الفرصة المثالية للانقضاض على "العدالة والتنمية"، ولاسيما أن نحو 15% من الناخبين هم من المناطق المتضررة جراء الزلزال، والتي وعدت الحكومة بإعادة إعمارها وفق المواصفات البنائية القياسية في غضون عام، فضلاً عن تحد آخر كبير يتعلق بإعلان أردوغان في مارس الماضي عن أن هناك حوالي 6.5 مليون بناية في إسطنبول وباقي المدن التركية بحاجة إلى هدم وإعادة بناء كي تتوافق مع المعايير والمواصفات الهندسية السليمة.
السؤال الأكثر الحاحاً الآن: هل يتكرر سيناريو زلزال عام 1999، الذي جاء بحزب "العدالة والتنمية" للحكم في عام 2002، ورغبة الناخبين الأتراك في تجاوز آثار الزلزال الذي راح ضحيته وقتذاك نحو 17 ألفاً (تسبب الزلزالين الأخيرين في مقتل نحو 47 ألفاً وإصابة أكثر من 105 ألف وتأثر أكثر من 230 ألف مبنى بشكل كامل أو جزئي)، وهل ستنجح المعارضة في توظيف الحدث لمصلحتها سياسياً، أم أن أردوغان سينجح في إقناع الناخبين بمبررات تباطؤ وقصور جهود الانقاذ الحكومية في الأيام الأولى للزلزال، حيث إعترف بهذا القصور وربطه بسوء الأحوال الجوية والارتباك وسوء التنظيم، واعداً بتجاوز الأزمة في خلال عام؟.