لاشك أن الزيارة التي قام بها مؤخراً صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الامارات العربية المتحدة إلى جمهورية الهند تنطوي على أبعاد بالغة الأهمية ليس فقط بالنسبة إلى البلدين الصديقين، ولكن أيضاً بالنسبة إلى العالم العربي، لما تمثله الهند من أهمية استراتيجية ينعكس في دورها الحيوي اقليمياً ودولياً.
على صعيد الشراكة الاستراتيجية المتنامية بين دولة الامارات العربية المتحدة وجمهورية الهند، والتي تعكسها الارقام والاحصاءات، تشير الاحصاءات إلى أن دولة الامارات العربية المتحدة ترتبط مع جمهورية الهند بنحو 956 رحلة طيران أسبوعياً، ويبلغ عدد الأعضاء المسجلين بالغرف التجارية بدولة الامارات من الهنود المقيمين في الامارات أكثر من 50 ألف عضو بنسبة تبلغ نحو 20% من حجم الأعضاء بغرف التجارة والصناعة بدولة الامارات، وبحجم استثمارات يبلغ نحو 250 مليار درهم، وفقاً لاحصاءات حديثة. فيما يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين الصديقين نحو 60 مليار دولار، وهو رقم يضع جمهورية الهند في المرتبة الثانية ضمن أكبر الشركاء التجاريين لدولة الامارات، فيما تحتل دولة الامارات المرتبة الثالثة ضمن أكبر الشركاء التجاريين لجمهورية الهند، ناهيك عن الارتباطات الاستراتيجية المتمثلة في ملف الطاقة، حيث تستورد الهند نحو 70% من احتياجاتها النفطية من منطقة الخليج العربي، ما يعكس الأهمية الحيوية للمنطقة في الفكر الاستراتيجي الهندي، ويدفع الهند إلى بناء علاقات قوية مع دول مجلس التعاون من أجل تأمين موارد الطاقة.
ومن المعروف كذلك أن الجالية الهندية المقيمة في دولة الامارات تلعب دوراً حيوياً مهماً في مسيرة التنمية والتطوير التي تشهدها قطاعات العمل والانتاج كافة بالدولة، ويمثل دورهم ركيزة أساسية للقطاع الخاص على وجه التحديد. وعلى الجانب الآخر فإن السوق الهندية تعد ثاني أكبر سوق في العالم بعدد سكان يبلغ نحو 250ر1 مليار نسمة، ما يوفر فرص استثمارية ضخمة للرساميل الاماراتية الباحثة عن فرص اقتصادية واعدة.
في ضوء ماسبق، يمكن القول بأن زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان تنطوي على أهمية بالغة على الصعد الاقتصادية والتجارية والاستراتيجية، فهناك مشروع استراتيجي لتخزين النفط الاماراتي في الهند، التي تحتل المرتبة الرابعة كأكبر مستهلك للنفط في العالم، وهناك أفق تجاري يستهدف بلوغ سقف تبادل تجاري يقدر بنحو 120 مليار دولار سنوياً، أي ضعف حجم التبادل التجاري الحالي، في غضون السنوات الخمس المقبلة، بحيث تصبح الامارات الشريك التجاري الأول للهند خلال المدى المنظور، وهي مسألة بالغة الأهمية في ظل التوقعات القائلة بأن الاقتصاد الهندي سيرتقي إلى المرتبة الثالثة ضمن الاقتصادات الأضخم عالمياً في غضون عقد ونصف من الآن.
من الناحية الاستراتيجية تمثل الهند إحدى القوى الدولية الصاعدة التي تلعب دوراً مؤثراً في النظام العالمي القائم، كما تمتلك علاقات تاريخية متينة مع الدول العربية وعلى هذا الصعيد يشار إلى العلاقات القوية التي ربطت الشقيقة مصر بالهند خلال فترة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والزعيم الهندي نهرو، وهي علاقات مستمرة ومتواصلة ، وشهدت مؤخراً دفعة قوية بزيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى نيودلهي. كما تمتلك الهند علاقات تعاون استراتيجية قوية مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ولاسيما دولة الامارات العربية المتحدة بحكم الجوار الجغرافي، والعلاقات التجارية التاريخية. وقد شهدت العلاقات الاماراتية ـ الهندية تغيرات ايجابية عديدة منذ عهد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حيث كان يدرك ـ طيب الله ثراه ـ المكانة الاستراتيجية المتنامية للهند وضرورة بناء علاقات تعاون قوية معها، حيث قام بزيارتها في عام 1975، ليضع أساساً قويا لشراكة استراتيجية متنامية استمرت حتى اليوم.
على الصعيد العربي، فإن بناء علاقات عربية مع الهند مسألة بالغة الضرورة، وفي هذا الإطار يمكن الاشارة إلى العلاقات الهندية المتنامية مع دولة الامارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية، حيث تمثل قوة الهند قوة اقليمية ودولية ظلت تناصر الحقوق والقضايا العربية لسنوات وعقود طويلة، كما انها تمتلك وجهات نظر ومواقف دولية مستقلة تستطيع من خلال مساندة المواقف العربية في هذه المرحلة التاريخية الحساسة، حيث يتعرض الأمن القومي العربي لتهديدات استراتيجية بالغة الأهمية.
ومن الأمور الجديرة بالملاحظة والاهتمام أن زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى الهند تأتي عقب الزيارة التي قام بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الهند خلال نهاية اكتوبر الماضي للمشاركة في المنتدى الثالث لقمة الهند ـ افريقيا، حيث كان فخامته قد زار دولة الامارات قبيل توجهه إلى الهند مباشرة.
لاشك أن الحفاظ على مقومات الأمن الوطني والقومي للدول العربية جميعها يتطلب العمل مع الشركاء والحلفاء الاقليميين والدوليين من أجل تنسيق المواقف وتعزيز شبكات المصالح الاستراتيجية، وفي هذا الإطار يمكن فهم بعض جوانب الأهمية التي تحظى بها علاقات دولة الامارات العربية المتحدة وغيرها من الدول العربية الشقيقة مع جمهورية الهند.