أتابع منذ أيام، التقارير الإعلامية المنشورة حول المخطط الإرهابي الذي اكتشفته شرطة مكافحة الإرهاب الأسترالية لإسقاط طائرة ركاب، ولفت انتباهي أمور عدة فيما كشفت عنه هذه التقارير، أولها أن المتورطين في هذا المخطط ينتمون إلى أصول شرق أوسطية، ويتلقون تعليماتهم من داخل سوريا، أي أن لهم علاقات مع تنظيمات الإرهاب الناشطة على الأراضي السورية، وهذا الأمر يعني يسلط الضوء على ما تمثله الأزمة السورية من تهديد للأمن والاستقرار العالمي طالما استمرت هذه التنظيمات على الأراضي السورية.
والأمر الثاني أن أطراف المؤامرة الأربعة من العناصر غير المسجلة أمنيًا، ولم يسبق الاشتباه بها ولا الشك في علاقتها بتنظيمات الإرهاب وفكره، ما يطرح تحديات هائلة أمام الأجهزة الأمنية ويعكس خطر ظاهرة "الذئاب المنفردة" التي لا تعمل في سياقات تنظيمية معروفة أو يمكن تتبعها ورصد حركتها، ناهيك عن خطر ظاهرة المتعاطفين، والمتأثرين بالخطب التحريضية المتطرفة، والتي تتضافر مع عوامل مجتمعية أخرى لتنتج "قرار ارتكاب الجريمة الإرهابية" في لحظة ربما تبدو خارج سياق التفكير التقليدي للمجرمين.
والأمر الثالث أن السلطات الأسترالية وصفت المخطط بأنه "متطور للغاية"، فيما تحدثت تسريبات إعلامية عن أفكار متعددة لهذا المخطط منها أن اسقاط الطائرة كان سيتم بتسميم ركابها بالغاز أثناء تحليقها في الجو، وأن الغاز المستخدم في هذه المؤامرة سينشأ عن عملية تشغيل تتم داخل الطائرة ذاتها باستخدام آلة بسيطة غير تقليدية يمكن أن ينبعث منها عند تشغيلها غاز سام قد يؤدي إلى مقتل أو شل حركة جميع الركاب على متن الطائرة!
الواضح من متابعتي للتقارير التي نشرت في صحف أسترالية وبريطانية عدة أن الخطة بأكملها لم تتضح لسلطات التحقيق الأسترالية، وأنها معقدة، وكان يفترض أن تتم على مرحلتين أو أكثر للتحايل على الإجراءات الأمنية الخاصة في المطارات.
وهذه الفكرة الشيطانية تأتي ضمن أفكار إرهابية أخرى مثل أجزاء القنابل المخبأة في كعوب الأحذية والأجزاء المخبأة في الملابس الداخلية، وغير ذلك من حيل ومؤامرات.
طرق التحايل على التشديد الأمني في المطارات ظهرت بقوة في العقدين الأخيرين، حيث كشفت الشرطة البريطانية في عام 2006 عن مؤامرة إرهابية تعتمد على استخدام سوائل في تفجير الطائرات، حيث كان الإرهابيون يعتزمون نقل سوائل يمكن استخدامها في التفجيرات إلى داخل طائرات في زجاجات مياه غازية أو غيرها ثم خلط هذه المواد أثناء الطيران وتفجير الطائرات، ما دفع السلطات الأمنية إلى تقنين عملية حمل السوائل مع ركاب الطائرات، وإخضاع الكثير منها للفحص عند الشك فيها حتى لو كانت ضمن الكميات المسموح بها مع الركاب، كما تجرى بحوث مكثفة لتطوير تقنيات لفحص السوائل في المطارات.
الخلاصة في اكتشاف المؤامرة الإرهابية في أستراليا أن هناك سباقًا شرسًا يجري في الخفاء بين عناصر الإرهاب والسلطات الأمنية، وأن الإرهاب لا يكف عن تطوير الحيل التي يمكن أن يستخدمها في ارتكاب جرائمه، ما يستوجب مزيدًا من التعاون الدولي في مكافحة تنظيمات الإرهاب، فالإرهاب المعولم لم يعد ظاهرة تخص منطقة أو دولة بعينها، وكما قال رئيس الوزراء الأسترالي مالكولمترنبول: "في عصر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والرسائل الإلكترونية الفورية لم تعد سوريا بعيدة عن سيدني"، مضيفًا: "هنا خطورة الوضع: التعاون السلس".
الجريمة الإرهابية باتت أعقد وأخطر من الماضي، وتتفاقم هذه الخطورة يومًا بعد آخر، ويكفي الإشارة إلى أن منفذ التفجير الانتحاري في مدينة مانشستر البريطانية في شهر يونيو الماضي قد تعلم تركيب القنابل عبر شبكة الانترنت، حيث تنتشر طريقة صناعة القنابل عبر أشرطة مصورة على موقع "يوتيوب" وغيره!
إن عملية بحث عشوائية واحدة على الإنترنت عن صناعة القنبلة كفيلة بتنفيذ كارثة إرهابية جديدة في منطقة ما من العالم، فضغطة واحدة على زر الحاسوب تقودك إلى عناوين مثل "الحلقة كذا عن كيفية صناعة قنبلة كذا"، أي أن هناك حلقات مسلسلة لتعليم ذلك، و"تعلم كيف تصنع قنبلة شديدة الانفجار"، و"كيف تصنع قنبلة بسيطة يدويًا"، و"صناعة قنابل الفقراء"، بل إن صناعة القنابل بات لها "موسوعات" منشورة عبر شبكة الإنترنت، وهناك مئات من العناوين التي قد يفاجئ بها الخبراء ذاتهم حول "أسرار" صناعة القنابل والمتفجرات والأحزمة الناسفة بشتى أنواعها وباستخدام أدوات ومواد رخيصة أو زهيدة الثمن ومتوافرة في كل مكان!!
هل يمكن أن نعود بعد كل ما يحدث حولنا ونتساءل عن أسباب انتشار الإرهاب والتفجيرات؟ وكيف لم ننتبه إلى أن الموضوع انتشر حتى تحول إلى مادة للسخرية والاستهزاء لدرجة أن بعض البرامج التليفزيونية الهزيلة قد لجأت إلى حيلة الادعاء بوجود حزام ناسف للتعرف على رد فعل الجمهور وجلب الضحكات المصطنعة!!
من الصعب أن يراهن العالم على التقدم والتطور في ملاحقة الجريمة الإرهابية بشكل استباقي، والحل الجذري أن تتكاتف الجهود جميعها لاستئصال أسباب هذه الجريمة البغيضة واجتثاث جذورها وأسبابها، سواء تمثلت في التطرف الديني والفكري وصولًا إلى إنهاء أشكال الظلم والاحتلال والممارسات التعسفية، التي تتخذ منها بعض تنظيمات الإرهاب ذريعة وغطاء لأنشطتها الإجرامية، وبموازاة ذلك كله يجب بذل جهد عالمي أكثر جدية في تكريس التعايش والتسامح والانفتاح على الآخر ونبذ كل صوت يحرض على الكراهية والتطرف والاعتداء على حقوق الآخرين.