كيف ينتقل تاجر مخدرات ومروج لها إلى عنصر من عناصر تنظيم إرهابي يزعم الدفاع عن الإسلام والمسلمين؟! ما حدث في فرنسا مؤخراً عقب اكتشاف السلطات أن الإرهابي الفرنسي من أصل مغربي، الذي احتجز رهائن جنوب فرنسا كان معروفاً لدى السلطات، ولكن من خلال جرائم أخرى مثل حيازة المخدرات ثم تحول فجأة إلى التطرف الديني، وارتكب جريمته التي قتل فيها 3 اشخاص وأصيب نحو 16 آخرين.
هذا التحول المفاجئ والانتقال من الجريمة التقليدية إلى الانخراط في الإرهاب، ليس الحالة الأولى من نوعها، حيث تشير تقارير عدة إلى حالات مماثلة انخرط فيها مجرمين وتجار مخدرات وعناصر في تنظيمات تمارس الجريمة بشتى أنواعها ضمن صفوف "داعش" وغيره من تنظيمات الإرهاب.
وهذا التحول له جذور في تاريخ جماعات التطرف منذ بداياتها في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث انضم لهذه الجماعات الكثير من عناصر الاجرام التقليدي، ووجدت فيها ما تسعى إليه من أموال ونفوذ ورغبة في الانتقام من المجتمعات، والبحث عن نفوذ وهمي من خلال هذه التنظيمات العنقودية.
مبدئياً فإن العلاقة بين عصابات المخدرات وتنظيمات الإرهاب قائمة وموجودة وليست نوعاً من الخيال، فليس هناك أي مانع لدى تنظيمات الإرهاب في التجارة بالمخدرات واستخدام أموالها في تحقيق أهداف هذه التنظيمات، ولعل حركة "طالبان" الأفغانية خير شاهد على ذلك، حيث تحصل على نحو 200 مليون دولار سنوياً من زراعة المخدرات والتجارة فيها، كما تؤكد تقارير دولية متخصصة أن حركة "بوكو حرام" وتنظيم "داعش" استخدما أموال المخدرات في تمويل جرائمهما، ناهيك عن أن "داعش" يتاجر في البشر والآثار والنفط المسروق وغير ذلك من جرائم ارتكبها التنظيم خلال سنوات سيطرته على مساحات شاسعة من الأراضي في العراق وسوريا.
كما لا يجد تنظيم "داعش" تحديداً أي مشكلة في قبول عناصر تمتلك أي خلفيات إجرامية أو سلوكية، ولا يهتم التنظيم بدوافع المنضمين إليه، بل يركز على إغرائهم بالأموال والنساء والرفاهية والأموال وتحول الإرهاب في عهد "داعش" إلى "بزنس" لا يهتم بالإطار الأيديولوجي لعناصره، بل أصبح التنظيم مظلة كبيرة تضم المغامرين والمحبطين والساعين للثراء ومحترفي القتل، والمجرمين والباحثين عن الأموال وغيرهم من العناصر التي يستخدمها التنظيم.
الدراسات العلمية تفسر جانباً من هذه الظاهرة، وتشير إلى وجود قواسم مشتركة عدة بين تنظيمات الإرهاب وتنظيمات الاجرام التقليدية، ومنها عصابات المخدرات وغيرها، فالجميع يعمل على استقطاب العناصر الساخطة على المجتمعات والفاشلين ومن يشعرون بالدونية، الذين يمتلكون رغبة جامحة في الانتقام، بحيث يصبحون أكثر قابلية للانقياد والسيطرة واستلاب العقل.
عناصر الاجرام التقليدية تمتلك عالماً خاصاً بها، وكذلك الإرهابيين، الذين يتبنون رؤية متطرفة تكفر المجتمعات وتقسم البشر والدول والمجتمعات إلى "فسطاطين"، دار حق ودار باطل، وبناء عليه يتم رسم خطط الإرهاب والاعتداءات الإرهابية على الآمنين، الذين يعتبرهم الإرهابيين أهدافاً "مشروعة" لهم!
التقارير الدولية تشير إلى ارتباطات تنظيمية وتمويلية قوية بين عصابات المخدرات وتنظيمات الإرهاب، ولكن ما يهمنا في الجريمة الإرهابية الأخيرة في فرنسا هو إعادة طرح السؤال الخاص بكيفية تحول مدمن او تاجر مخدرات إلى عنصر إرهابي؟ وماهي المراحل التي ينتقل خلالها من الإدمان إلى التطرف الفكري ثم التورط في الجرائم الإرهابية؟
لا شك في أن هذا التحول يمثل معضلة صعبة للأجهزة الأمنية، التي يصعب عليها تتبع حركة جميع المسجلين لديها من "صغار المجرمين" ومراقبة أي تحولات "فكرية" تطرأ على قناعاتهم وسلوكياتهم.
إحدى النقاط المهمة تكمن في فهم آليات ووسائل التجنيد والاستقطاب التي تتبعها تنظيمات الإرهاب عبر شبكات التواصل الاجتماعي، أو عبر الاتصال الشخصي، فلخطاب الذي تتبعه هذه التنظيمات يصور للمجرمين أن الانضمام لها يمثل "صك غفران" وجنة موعودة للهروب من الإحباط أو أي مشكلات شخصية يعانيها مدمني المخدرات.
وإذا كان من المعروف أن أخطر عناصر الإرهاب هي الخلايا النائمة، فإن العناصر المتحولة من ساحات جريمة أخرى ربما تكون أكثر خطورة لصعوبة اكتشافها كونها مستبعدة نظرياً من دائرة الاشتباه لدى السلطات المعنية بمكافحة الإرهاب.
اعتقد أن هناك ثغرة أمنية تنفذ منها هذه العناصر، وهي اختلاف الاختصاصات داخل الأجهزة الأمنية، بمعنى أن قواعد البيانات والمعلومات الخاصة بمكافحة المخدرات تختلف عن تلك المتخصصة في العناصر المتطرفة والارهابية، لذا يتحرك مدمني المخدرات وتجارها في المساحة غير الخاضعة للرقابة وينتقلون من قوائم المخدرات إلى ارتكاب جريمة إرهابية من دون اكتشافهم، بل تصبح الجريمة الإرهابية هي المؤشر الأول الذي يكشف اعتناقهم الفكر الإرهابي!
لذا من الضروري الربط بين مختلف فروع الجريمة وإطلاق آليات رصد مبكر للتحولات الإرهابية من خلال رصد التحولات في سلوك المجرمين ذاتهم، وتكثيف إجراءات التتبع والمراقبة لاكتشاف أي تحولات طارئة في سلوك المجرمين، الذين يتسم غالبيتهم باضطرابات نفسية تعجل بسقوطهم في فخاخ الإرهاب.
الظاهرة الإرهابية تزداد تعقيداً بمرور الوقت ولم تعد تمثل تحدياً أمنيا وعسكرياً فقط، بل باتت تحدياً مجتمعياً خطيراً بحكم الاعتداءات الأخيرة التي كشفت عن إمكانية تحول بعض الأفراد في المجتمعات إلى أدوات لتنفيذ جرائم إرهابية، والاعتداء على الآمنين.