الحقيقة أن هناك تساؤلات عدة مشروعة حول مستقبل الظاهرة الإرهابية سواء تمثلت في "القاعدة" وفروعها أو "داعش" وغير ذلك من تنظيمات إرهابية تقوم بمهام عدة ابتداء من التفريخ التعبوي حتى الانخراط في العمل الإرهابي المنظم.
في مقدمة هذه التساؤلات ما يتعلق بتفسير مايدور في سوريا حول اتفاقات وتفاهمات تعقد مع تنظيمات الإرهاب للسماح بخروجها بأسلحتها من بعض المناطق والانتقال إلى مناطق ومدن أخرى في حماية جيوش تنتمي إلى دول! حدث هذا الأمر وتكرر أكثر من مرة في الصراع الدائر حالياً في سوريا، وهناك تحالفات علنية بين جيوش نظامية وتنظيمات إرهابية أو فروع لهذه التنظيمات! صحيح أنه تم القضاء على تنظيم "داعش" وانهاء سيطرته على الكثير من المدن والمناطق في سوريا، ولكن يبقي مصير عناصر التنظيم مثار تساؤلات محيرة: أين ذهب هؤلاء وهل ذابواً بين عشية وضحاها؟ وإلى أين غادر آلاف الإرهابيين الذين كانوا يقاتلون لسنوات في سوريا؟
وسط ضجيج الأحداث المتسارعة اقليمياً ودولياً، لفت انتباهي تصريح أدلى به النائب الأول لرئيس مصلحة الأمن الفدرالي الروسية الجنرال سيرغي سميرنوف، وقال فيه إن نحو 8 آلاف مسلح انتقلوا من سوريا إلى أفغانستان الأمر الذي يهدد أمن دول منظمة شنغهاي للتعاون.وأضاف الجنرال سميرنوف أمام الاجتماع الـ32 لهيئة مكافحة الإرهاب بمنظمة شنغهاي للتعاون الذي عقد في مدينة طشقند عاصمة أوزبكستان مؤخراً، أن الهيئات الأمنية والاستخباراتية لجميع دول منظمة شانغهاي رصدت انتقال المسلحين إلى أفغانستان، وبالتحديد، إلى مناطقها الشمالية، عبر الحدود الإيرانية والتركية، بعد هزيمة الإرهابيين في سوريا.
وذكر سميرنوف أن أكثر من 900 مواطن من دول منظمة شنغهاي للتعاون ممن غادروا أراضي أوطانهم بهدف الانضمام إلى صفوف التنظيمات الإرهابية الدولية، ومن بينها "داعش" و"جبهة النصرة" و"حزب التحرير الإسلامي" و"الحركة الإسلامية لتحرير تركستان"، أدرجوا العام الماضي على قوائم الإرهاب.
هذا التصريح في غاية الأهمية والخطورة لأنه يكشف آلية انتقال الإرهاب بين الدول، وأنه يحظى برعاية دول وأنظمة مثل النظام الإيراني، الذي لعب دوراً حيوياً خلال عقود وسنوات في توظيف الإرهاب واستخدام تنظيماته لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الإيرانية.
فقد استخدمت إيران "القاعدة" ومن بعدها "داعش" كذريعة للتوسع في العراق وسوريا، وفي سبيل ذلك هناك تعاون وتسهيلات ضخمة تقدمها إيران لعناصر هذه التنظيمات، والأدلة والبراهين على هذا التعاون موجودة وليست سراً يمكن اخفائه، ولكنه لعبة المصالح وتقاسم النفوذ التي تباعد بين إيران وبين المحاسبة الدولية على رعاية الإرهاب!
قال الجنرال سميرنوف أن من بين المسلحين المنتقلين إلى أفغانستان الكثير من مواطني بلدان الاتحاد السوفياتي السابق، بما فيها أوزبكستان وطاجيكسان وتركمانستان، وهذا الأمر يعني أن العناصر الإرهابية التي تنتمي لدول أخرى قد انتقلت إلى ساحات أخرى مثل ليبيا واليمن وربما دول عربية أخرى!
هذا التصريح يفتح الباب أمام البحث عن ردود عن التساؤلات التي تحير الكثيرين حول مصير العناصر الإرهابية التي قاتلت السنوات الماضية في سوريا، فهناك مجال واسع لانتقالها إلى دول أخرى طالما أن هناك اتفاقات وتفاهمات تنفذ برعاية جيوش ودول لمغادرة الإرهابيين المدن والمناطق التي يسيطرون عليها، في ما تمنحهم دول أخرى تسهيلات للانتقال والتحرك بحرية عبر الحدود إلى دول أخرى، وهناك دول تقوم بتمويل هذه التحركات والانتقالات ناهيك عن نقل الأسلحة أو شراء أسلحة بديلة يخوض بها الارهابيون معاركهم في ساحات القتال الجديدة!
الحقيقة أنه لولا وجود رعاية من بعض الدول والحكومات والأنظمة للإرهاب لما قامت للإرهابيين قائمة حتى الآن، فمن غير المقنع أن يستطيع الآلاف الصمود في مواجهة ضربات جوية وصاروخية وميدانية لجيوش تحالفات دولية عدة في سوريا! ومن غير المقنع أن يتحرك الإرهابيين في اليمن وليبيا ويحصلون على أحدث الأسلحة من رعاية دول وأنظمة!
والمؤكد أن الإرهاب بات لاعباً مؤثراً في لعبة صراع النفوذ وتقاسم المصالح في العلاقات الدولية، فالارهابيون يحققون مصالح أطراف عدة، ويتم استخدامهم كغطاء للتدخلات التوسعية من جانب بعض الدول، كما تستخدمهم دول أخرى لمناكفة خصومها وأعدائها ونشر الفوضى والاضطرابات في العالم، ما أسهم في تحول الإرهاب إلى "بزنس" ضخم يحظى برعاية من دول عدة في الشرق الأوسط!
كيف يمكن التخلص من الإرهاب في ظل تشابك المصالح وازدواجية المواقف بين إدانة الإرهاب ورعايته؟ هذه هي المعضلة الحقيقية التي تواجه جهود مكافحة الإرهاب!