تحول سياسي جذري شهدناه مؤخرًا في القمة التاريخية بين الكوريتين، فقد تبدل العداء إلى حب ووئام ومصافحة غير تقليدية بل وصفت بالمؤثرة وهكذا كانت بالفعل كما عكستها اللقطات المصورة، التي جاءت على نحو لم يكن متوقعًا من الود والتقارب بين رئيسي البلدين، مون جي-إن، رئيس كوريا الجنوبية، ونظيره الشمالي كيم جونغ أون، اللذين عاشا في حالة حرب نظريًا من عقود طويلة مضت رغم وجود هدنة رسمية.
لم تكن مجرد مصالحة، فلم يكن هناك وسيط ولا وساطة، بل مصافحة "أخوية" لفتت انظار العالم أجمع، ورأينا فيها ما يمكن أن يراه المراقب في العلاقات بين قادة دول شقيقة وتعيش أعمق مستويات التحالف الاستراتيجي وليس العداء التاريخي!
تقول وكالة الأنباء الرسمية لكوريا الشمالية أن القمة دشنت عصرًا جديدًا للرخاء والسلام والمصالحة بين شطري كوريا، وهي بالفعل كذلك إن صدقت تعهدات زعيمي البلدين بإخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية، وتنفيذ اتفاق الجانبين على الدفع باتجاه تحويل الهدنة التي أنهت الحرب الكورية عام 1953 إلى معاهدة سلام هذا العام، والاتفاق على نهاية "الأنشطة المعادية"، وتغيير المنطقة المنزوعة السلاح التي تقسم البلاد إلى "منطقة سلام" عن طريق وقف بث الدعاية، وتخفيض الأسلحة والتوتر في هذه المنطقة، إلى جانب خطوات سلمية أخرى مهمة مثل الدفع باتجاه محادثات تشمل الولايات المتحدة والصين، وتنظيم لم شمل العائلات التي فرقتها الحرب، وربط وتحديث السكك الحديدية والطرق عبر الحدود، والمشاركة بفرق تجميع رياضيين من الجانبين في مزيد من الأحداث الرياضية، بما في ذلك دورة الألعاب الآسيوية التي تعقد العام الجاري.
الحقيقة أن هذه الخطوات التاريخية يمكن أن تمثل نجاحًا هائلًا للدبلوماسية الكورية الجنوبية، التي تعمل منذ أشهر مضت على تحسين الأجواء والتمهيد لتحقيق السلام في شبه الجزيرة الكورية. وقد اثبتت جهودها المخلصة أن السلام ممكن رغم مرور 65 عامًا من الأعمال العدائية والتوتر الدائم.
لا يعني هذا الاجتماع أن الأمور باتت على مايرام وأن صفحة التوتر قد طويت نهائيًا، فالقمتان السابقتان عامي 2000، و2007 قد شهدتا مصافحات "أخوية: وانتهتا إلى وعود سرعان ماتلاشت، ولكن في المقابل هناك تصميم كوري جنوبي، عكسته رغبة الرئيس الكوري الجنوبي في زيارة بيونج يانج الخريف المقبل، ولكن الزعيم الكوري الشمالي لم يذكر نزع أسلحة بلاده النووية في تصريحاته.
الأمر في مجمله لا يزال بحاجة إلى وقت لاستكشاف حقيقة النوايا، واعتقد أن قمة ترامب ـ كيم ستكون مؤشر أكثر وضوحًا حول نوايا بيونج يانج لأن الرئيس الأمريكي قد طالبها بوضوح بنزع أسلحتها النووية، ولن يقبل باللقطات المصورة كنتيجة وحيدة للقمة المرتقبة مع الزعيم الكوري الشمالي، ولكن هذا لا ينفي تفاؤل الرئيس ترامب بإمكانية تحقيق اختراق نوعي، حيث قال في تغريدة له "الحرب الكورية إلى خواتمها! إن الولايات المتحدة يجب أن تشعر مع كامل شعبها العظيم بفخر كبير لما يحصل حاليا في كوريا".
سيجلس ترامب مع الزعيم الذي تبادل معه اهانات شخصية جارحة والتهديد بما يمتلكه بلديهما من أسلحة مدمرة، قبل أشهر قلائل مضت، وهذه هي السياسة، وتلك هي الدبلوماسية، فالزعيم الكوري الشمالي قد عبر الحدود الفاصلة في حدث ليصبح أول زعيم كوري شمالي يطأ أرض الجنوب من الحرب الكورية (1950 ـ 1953)، ثم عبر الزعيمان معًا لأرض كوريا الشمالية في خطوة رمزية تاريخية، والأهم أن كيم قد تعهد بأن تلتزم الكوريتان العمل على "عدم تكرار التاريخ المؤسف الذي تبددت فيه اتفاقات سابقة بين الكوريتين بعد إعلانها".
المراقبون يرون أنه رغم الشكوك حول النتائج الحقيقة للقمة بين الكوريتين، فإن مجرد انعقادها وانحسار أجواء الحرب والتوترات يظل أفضل خيار ممكن بانتظار ماهو أفضل وأكثر ديمومة في تحقيق الأمن والاستقرار في تلك المنطقة الساخنة من العالم، وأن فشل قمم سابقة لا يعني غياب نوايا السلام بل تعقد الأزمات بدرجة تحول دون ترجمة النوايا إلى أفعال وسلوكيات واتفاقات رسمية.
المراقبون يراهنون ايضًا على أن الأجواء خلال القمة الأخيرة مختلفة، والنوايا أكثر صدقًا وجدية بين الزعيمين، ويستشهدون على ذلك بالدقائق الطويلة التي قضاها الزعيمين معًا، وأن المصافحة استغرقت دقائق جرى خلال حوار صريح وعابر عكس نوايا جادة لطي صفحة الماضي، فيما لم تستغرق المصافحة بين زعيمي الكوريتين عام 2000 سوى خمسة ثوان، بينما استغرقت المصافحة التي جرت خلال قمة عام 2007 نحو ثلاثة ثوان فقط، وهذه في مجملها مؤشرات إيجابية تصب في مصلحة التفاؤل بنجاح مسيرة السلام في شبه الجزيرة الكورية.
السؤال الآن: هل تتكرر المصافحة بالغة الودية والحارة بين زعيمي الكوريتين خلال القمة الأمريكية ـ الكورية الشمالية؟ وهل ستنتج هذه القمة اتفاقات وتفاهمات مماثلة لما حدث في الاجتماع الأخير على خط الحدود الساخن بين الكوريتين؟.