النظام العالمي الجديد هو المصطلح الذي بات يطلق على العلاقات الدولية في مرحلة مابعد الحرب الباردة وانهيار ماكان يسمى بالاتحاد السوفيتي، وشاع هذا المصطلح منذ أن استخدمه الرئيس الأمريكي لأسبق جورج بوش في خطاب له عام 1990، واعتبر أنه يمثل بداية زمن سلام لكل الشعوب! ومن الناحية الواقعية فإن المصطلح يرمز إلى روزنامة القوانين والتشريعات والأعراف الدولية الناظمة للعلاقات الدولية في الحقبة منذ عام 1990 وحتى الآن؛ وهذا النظام له مؤسساته وآلياته ومنها بطبيعة الحال الأمم المتحدة بوكالاتها المتخصصة، وبقية مؤسسات هذا النظام مثل البنك الدولي وصندوق النقد وغيرها. ولم ينشأ هذا النظام من فراغ أو من العدم بل قام على انقاش نظام دولي قديم نشأ منذ توقيع صلج وستفاليا عام 1648.
ورغم الجدل حول استمرارية النظام العالمي الجديد ومدى فاعليته في ظل بروز سمات جديدة لمرحلة مابعد هذا النظام بما تحمل من معالم مثل تآكل سيادة الدولة وصعود الفاعلين من غير الدولة وتعاظم نفوذ الشركات عابرة القارات والجدل حول نهاية النفوذ والهيمنة الأمريكية التي كانت تمثل عماد النظام العالمي الجديد.
الشاهد الأخطر لانهيار النظام العالمي الجديد وعدم بروز مؤشرات لمرحلة مابعد هذا النظام، هو فشل هيئات هذا النظام ومؤسساته في الحفاظ على الأمن والاستقرار العالميين، فقد أصبحت قرارات الأمم المتحدة موضع تجاهل في جميع القضايا والأزمات الدولية، كما فشلت المنظمة الدولية في تحقيق أهم أهدافها، وهو العدالة الدولية.
هناك أمثلة عديدة على انتهاكات القانون الدولي، سواء من جانب دول مثل إيران وإسرائيل وغيرهما، أو من جانب القوى الكبرى ذاتها. ولاشك أن الاخفاقات المتعددة تمثل احد أسباب ظهور الارهاب وانتشاره، إذ لا يغيب عن أي باحث أن تنظيمات الارهاب تتغذى وتقتات على ممارسات الاحتلال وانتهاك القانون الدولي في مناطق مثل الاراضي الفلسطينية المحتلة وغيرها.
ماذا بعد تفكك النظام العالمي القائم؟ وهل يدخل العالم في مرحلة مابعد النظام بآليات جديدة أم تشهد العلاقات الدولية مرحلة من الفوضى وغياب الاستقرار حتى تتولد مؤسسات وتفاهمات واتفاقات جديدة قادرة على ضبط توازنات القوى وإدارة شبكة المصالح المعقدة بين دول العالم كافة؟ وهل تبقى الدولة وحدة أساسية في النظام العالمي أم تتواصل عوامل تآكلها وتقضي عليها لمصلحة كيانات وهياكل جديدة ربما تعود بالعالم إلى مرحلة ماقبل الحداثة؟
الشواهد والمؤشرات جميعها تؤكد أن الخاسر الأكبر في مرحلة انزلاق النظام العالمي نحو الفوضى هو الدول الاقليمية، التي سقطت فريسة للصراع على النفوذ والمصالح بين القوى الكبرى، والمشهد في سوريا ربما يبرز هذا الأمر بوضوح.
هناك سياسات واتجاهات عالمية تدفع باتجاه تسريع وتيرة انهيار العلاقات الدولية منها تفاقم السياسات الانعزالية في الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة، وهناك أيضاً صعود التيار اليميني في أوروبا، وبروز ظواهر مثل الاسلاموفوبيا، ومعاداة اللاجئين، فضلاً عن توجه الأنظمة التوسعية إلى استحضار أفكار بائدة من صناديق التاريخ القديم والسعي لاسترداد أمجاد استعمارية قديمة لم يعد لها محل في القرن الحادي والعشرين.
ربما تشهد المرحلة المقبلة أيضاً موجات أكبر وأضخم من اللجوء لملايين البشر سواء بسبب تفاقم الصراعات والفتن الطائفية وانتشار الارهاب، أو بسبب الجوع والعوامل البيئية التي باتت سبباً رئيسياً في حركة الهجرة واللجوء على كوكب الأرض.
يبدو من الواضح أيضاً أن منطقة الشرق الأوسط ستكون مسرح الأحداث الأكثر تأثراً بتفاعلات المرحلة الجديدة في العلاقات الدولية، فملامح القوى والنفوذ الجديدة ترسم الآن على أرض سوريا، كما يبدو الصراع على أشده بين روسيا والولايات المتحدة، ولم تتضح بعد ملامح العلاقات بين الولايات المتحدة والأقطاب الدولية الجديدة لاسيما الصين.