لم تسفر نتائج القمة الثانية التى عقدت مؤخراً بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الكوري الشمالي كيم جونج أون عن اختراق نوعى فى ملفات الخلاف بين البلدين، وقد جاءت القمة التي عقدت فى العاصمة الفيتنامية، هانوي، بعد نحو ستة أشهر فقط من اللقاء الأول الذي عقد في سنغافورة خلال شهر يونيو الماضي، كما بدت نتائجها مغايرة للأجواء التي سبقتها والتي تحدث فيها الرئيس ترامب عن "صديقه" كيم بإيجابية، وتوقع "مستقبلاً رائعاً" لكوريا الشمالية في حال وافقت على التخلي عن الأسلحة النووية.
الأوساط السياسية الأمريكية في الحزب الجمهوري تحديداً انتظرت من القمة الثانية أن تفسر الحديث الغامض عن نزع الأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية كما ورد في البيان الصادر عن القمة الأولى للرئيسين، وكان الرئيس ترامب يسعى لتحقيق نجاح دبلوماسي يصرف الأنظار عن التركيز الإعلامي على مشاكله الداخلية مع تحقيقات الكونجرس.
المطالب الأمريكية تتلخص في تخلي كوريا الشمالية عن ترسانتها النووية بشكل كامل، بينما تصر بيونج يانج على ضرورة المزامنة بين تحقق المطلب الأمريكي من جهة وبين رفع العقوبات الدولية المفروضة ضد كوريا الشمالية وانهاء الوجود العسكري الأمريكي في شبه الجزيرة الكورية، أي في كوريا الجنوبية، كما أن كيم طالب في قمة هانوي، بحسب الرئيس ترامب نفسه ـ برفع كامل للعقوبات مقابل نزع جزئي للنووي، أي طالب بعكس المطلب الأمريكي الخاص بالتخلي الكامل عن الأسلحة النووي ثم النظر فيما بعد في رفع العقوبات الدولية.
وسائل الاعلام الغربية وصفت القمة الثانية بالفاشلة، وقارنت غياب النتائج بالتصريحات التي أدلى بها الرئيس ترامب قبل دقائق من بداية الاجتماع وقال فيها إنه يتوقع أن تكون القمة "ناجحة جدا" فيما قال كيم جونج أون أنه متأكد من أن قمته مع ترامب ستؤدي إلى "نتائج إيجابية"، وقال متوجها لترامب "أنا متأكد من أننا سنخرج بنتيجة هذه المرة يرحب بها الجميع"، مضيفا "سأفعل ما بوسعي لتحقيق ذلك"، ولكن في ختام اللقاء اكتفى الرئيس ترامب بالقول أنه "أجرى حواراً جيداً للغاية" مع الزعيم الكوري الشمالي، وأضاف في تغريدة على موقع "تويتر" في ختام اليوم الأول من قمتهما الثانية "اجتماع جيد وعشاء مع كيم جونغ أون في هانوي بفيتنام الليلة".
بعد انتهاء القمة، لم يجد الرئيس ترامب أمامه سوى الإقرار بالفشل، حيث قال إن قمة بينه وبين نظيره الكوري الشمالي كيم جونغ أون انتهت دون التوصل إلى اتفاق بعدما رفضت واشنطن مطالب بيونج يانج برفع العقوبات، وفي مؤتمر صحفي، قال ترامب: "كان الأمر عن العقوبات، أرادوا أن تُرفع العقوبات بالكامل وليس بوسعنا أن نفعل ذلك"، وقال ترامب: "أحيانا، في أحوال كتلك، يتعين عليك أن تغادر"، وفي مؤتمر صحفي عُقد في العاصمة الفيتنامية هانوي، نفى ترامب التوصل لأي خطط لعقد قمة ثالثة.
وقال ترامب إن كيم كان مستعدا لتفكيك مجمع يونغبيون النووي لكنه أراد في المقابل رفع "كافة العقوبات"، وهو أمر لم تكن الولايات المتحدة مستعدة له، والحقيقة أن موقف الزعيم الكوري الشمالي لم يتغير منذ البداية، فهو يتحدث عن تلازم شرطي بين نزع الأسلحة النووي وبين العقوبات، ولكن ماحدث أن القمة الثانية كشفت عن أن البيت الأبيض كان يراهن على أمور غير واقعية، لدرجة ان البرنامج الأصلي للقمة، الذي اُعد بمعرفة الجانب الأمريكي قد تضمن "حفل توقيع اتفاق مشترك"، فضلا عن غداء عمل للزعيمين، لكن الترتيبات انهارت فجأة بإلغاء الحفل والغداء.
التوافق الذي بدا بين الزعيمين في هانوي لم يكن هناك ما يبرهن على صحته في النتائج الرسمية للاجتماع، وهذا نتاج عدم توافق منذ الاجتماع الأول حيث تحدث الجانب الأمريكي عن موافقة كوريا الشمالية على نزع الأسلحة النووية من دون شروط قبل رفع أي عقوبات، في حين لم تشر بيونج يانج إلى ذلك بل ترى رفع العقوبات مقابل نزع جزئي ـ وليس كلياً ـ لأسلحتها النووية!
يبدو أن ثمة سوء تقدير قد سيطر على الموقف الأمريكي، حيث قال الرئيس ترامب قبل القمة وهو يقف إلى جانب الزعيم الكوري الشمالي، إنه يكن "احتراما كبيرا" للسيد كيم وأن علاقتهما "قوية جداً"، وكرر قوله إن كوريا الشمالية يمكن أن تصبح "قوة اقتصادية" إذا سارت المحادثات بشكل جيد.
المؤكد أن قمة هانوي تمثل اخفاقاً لقدرة ترامب على عقد الصفقات، ولكن يحسب له الإبقاء على العلاقة الخاصة مع الزعيم الكوري الشمالي حيث وصفه بعد القمة بأنه "شاب جيد وشخصية جيدة" ووصف العلاقات بينهما بأنها "قوية للغاية"، ويبدو أن سقف التوقعات المرتفع للغاية قبيل القمة كان السبب في شعور الإحباط والفشل الذي سيطر على تقارير وسائل الاعلام الأمريكية عقب القمة، حيث توقع البعض صدور إعلان سياسي لإنهاء الحرب الكورية (1950-1953)، والتي انتهت ميدانيا بإعلان هدنة، دون توقيع معاهدة سلام شامل، أو تعهد الزعيم الكوري الشمالي كيم بتدمير مجمع يونغبيون النووي الكوري الشمالي، والذي يمثل ركيزة البرنامج النووي لبلاده.
المؤكد أيضاً أن هناك خلافات وتباين حاد في المواقف، فالقمة الثانية لم تسفر فقط عن عدم اتفاق بل انتهت قبل موعدها بساعتين، ما يعني أنه لم يكن هناك مجال لاستمرار النقاش وأنه كان من الصعب جسر هوة الخلاف بين الجانبين، ولكنها كشفت بالمقابل عن جدية ترامب، فقد وعد ناخبيه بالانسحاب فوراً من القمة في حال لم تتحقق الشروط التي يسعى إليها لعقد "صفقة"، وقد فعل ذلك بالفعل، بينما راهن الزعيم الكوري الشمالي على إمكانية إحراج ترامب ووضعه تحت الضغط لانتزاع موافقة منه على شروط بيونج يانج بدلاً من فشل القمة.
صحيفة "فايننشال تايمز" رأت أن فشل القمة الثانية نتيجة سلبية، ولكنها ليست كارثية، مشيرة إلى أن القمة بين الزعيم السوفيتي غروباتشوف والرئيس الأمريكي الأسبق ريجان قد إلى اتفاق على الحد من انتشار الأسلحة، ولكن الأهم أن الصحيفة ترى أن ترامب ذهب إلى القمة دون تحضير جيد، معتمداً على شخصيته وتواصله مع نظيره دون إعداد دبلوماسي مسبق للخيارات والبدائل المتاحة، ودراسة خيارات بديلة مثل المقترح الذي يحظى بدعم كوريا الجنوبية، والقائم على فكرة نزع جزئي للأسلحة النووية مقابل رفع جزئي للعقوبات الاقتصادية، واعتقد أن هذا التصور صحيح إلى حد كبير بدليل أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قال في المؤتمر الصحفي عقب القمة أنه "لم يكن يتوقع أن المفاوضات كانت صعبة مع الوفد الكوري الشمالي".
الموضوعية تقتضي أن دبلوماسية ترامب، رغم الفشل الأخير، قد نجحت في تخفيف التوتر في شبه الجزيرة الكورية، وأن علاقته مع الزعيم كيم اون قد أنتجت توقفاً للتجارب الصاروخية الكورية الشمالية، وفتحت باباً مهماً للحوار في هذه المنطقة الساخنة من العالم، علاوة على أن الرئيس ترامب قد أعلن أن نظيره الكوريّ الشماليّ تعهّد له بأنّه لن يُقدِم على أيّ تجاربٍ نوويّةٍ أو صاروخيّةٍ باليستيّةٍ جديدة.