شهدت العقد الأخير وبدايات القرن الحادي والعشرين تفشياً للعديد من الأمراض والاوبئة سريعة الانتشار الناجمة عن فيروسات غير معروفة، مثل "سارس" و"انفلونزا الخنازير" وغيرها من اوبئة تسبب بعضها في خسائر بشرية كبيرة وأخرى اقتصادية ضخمة لاقتصادات دول العالم، وأحدث هذه الاوبئة فيروس "كورونا" الذي اثار قلقاً عالمياً في الآونة الأخيرة، والذي يشبه في أعراضه فيروس "سارس" الذي انتشر في عام 2002 وتسبب في وفاة نحو 800 شخص حول العالم.
"كورونا" الذي يتفشى في مدن صينية عدة انتقل إلى بعض الدول بفعل حركة السفر والتنقلات، ويشعر سكان العالم بالخطر جراء التقديرات التي تقول أن الفيروس سيقتل 65 مليون شخص أثناء تفشيه عالمياً خلال الفترة المقبلة؛ والأمر لا يقتصر على التقديرات بل إن هناك تصريحات رسمية صينية تشير إلى خطورة المرض، حيث أكد وزير الصحة الصيني إن قدرة فيروس "كورونا" الجديد على الانتقال بالعدوى تزداد قو وإن عدد الاصابات يمكن أن يستمر، وهذا مادفع الصين إلى سرعة بناء مستشفى كبير مخصص لاستقبال المصابين بالمرض.
إحدى إشكاليات الفيروسات الجديدة أنها مجهولة المصدر والمعلومات المتاحة حولها قليلة أو محدودة وبالتالي يصعب التعرف إلى مسارات تطورها وامكانية تحورها، كما أن العالم لم يطور ـ حتى الآن ـ منظومة فاعلة للتصدي لهذه الأخطار والتهديدات الجديدة بل إن هناك اتهامات وشكوك كثيرة حول مصدر الفيروسات وهل تسربت من مختبرات تابعة لدول معينة أم انتقلت من الحيوانات أو الطيور إلى البشر عن طريق المصادفة.
ولاشك أن منظمة الصحة العالمية والمنظمات المتخصصة تقوم بدور كبير في حالات الطوارىء الصحية المشابهة، ولكن يبقى الخوف والقلق مسيطراً على العالم وتبقى الجهود في أطر فردية من دون تعاون دولي جماعي لإدارة مثل هذه الأزمات ومحاصرتها منذ بدايتها.
قائمة التهديدات الصحية التي تواجه سكان العالم تطول، والمؤشرات تؤكد أن ضحايا تلوث الهواء على سبيل المثال أكبر بكثير من ضحايا الحروب والصراعات والأزمات العسكرية، حيث تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن استنشاق مركبات خطرة يؤدي إلى وفاة سبعة ملايين مبكراً في انحاء مختلفة من العالم، بينما تقضي أمراض السكري والسرطان والقلب على حياة 41 مليون شخص سنوياً وتشكل نحو 70 % من أسباب الوفاة بشكل عام.
التصدي لتهديدات الاوبئة الطارئة مسألة تتطلب جهوداً وطاقات كبيرة لاسيما في حالات الانتشار الوبائي السريع للفيروسات مثلما يحدث حالياً مع "كورونا"، لذا فإن التكاتف والتعاون العالمي مسألة مهمة للغاية في مساندة الدول التي تعاني انتشاراً لهذه الاوبئة، لذا فإن دولة الامارات قد بادرت إلى إعلان استعدادها لتقديم كافة أشكال الدعم للصين لاحتواء فيروس "كورونا"، حيث أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في تغريدة على موقع تويتر : "نتابع باهتمام جهود الحكومة الصينية لاحتواء انتشار فيروس كورونا.. نحن على ثقة بقدرة الصين الصديقة على تجاوز هذه الأزمة"، وأشار إلى استعداد الإمارات لدعم الصين للتصدي للفيروس، قائلا: "دولة الإمارات وفي إطار نهجها الإنساني، على استعداد لتقديم أشكال الدعم كافة للصين، والتعاون مع المجتمع الدولي للتصدي لهذا الفيروس”".
مثل هذه الروح الايجابية يجب أن تسود العلاقات الدولية، لاسيما في أوقات الأزمات الصحية التي تطال البشر، فالموارد والامكانيات يجب أن توجه للتصدي لأي أخطار أو تهديدات تواجه البشر في أي مكان، ومثل هذه المواقف الاماراتية تؤكد عمق الصداقة التي تربط البلدين والشعبين الشقيقين، وتمثل كذلك نموذجاً يحتذى في المبادرة لتقديم الدعم في الحالات الطارئة، لأن هناك تهديدات وظروف عابرة ربما تتطلب تضامناً عالمياً وربما يفوق بعضها قدرات دول بمفردها، مهما تعاظمت القدرات والامكانيات الذاتية، على مواجهة بعض المواقف، حيث يبرز هذا الأمر بوضوح في حالات مثل الكوارث الطبيعة والزلازل والبراكين وغيرها من أزمات تضع الدول والشعوب في مواجهة ظروف وتحديات غير طبيعة وتتطلب تعاوناً أكبر من بقية الدول والشعوب.