لا شىء أكثر اثارة للاشمئزاز في سلوك القادة السياسيين في العالم حالياً أكثر من سلوك القيادة التركية حيال اللاجئين السوريين، الذين تدفع بهم دفعاً إلى حدود اليونان وبعض دول الاتحاد الأوروبي الأخرى وتستخدمهم كورقة ضغط سياسية بشكل يجافي كل المعايير والضوابط الخاصة بحقوق الانسان.
لم تكتف تركيا بدفع ألاف اللاجئين إلى الحدود اليونانية بل نشرت آلاف العناصر الشرطية لمنع اليونان من رد هؤلاء اللاجئين بحيث أصبح الآلآف منهم حبيس الحدود بين البلدين!
الغريب أن وزير الداخلية التركي يتهم اليونان بإساءة معاملة المهاجرين الذين تدفع بهم بلاده دفعاً إلى الحدود بين البلدين، ويقول إن تركيا لن تسمح بذلك! التصريح بحد ذاته يعد نموذجاً في مجافاة المنطق والقفز على الحقائق ومحاولة استغباء الرأي العام العالمي!
الثابت في موضوع اللاجئين السوريين الذين تستضيفهم تركيا أنها حققت من ورائهم مكاسب مادية واستراتيجية ضخمة، وتاجرت بهذا الملف سياسياً وحققت من ورائه مكاسب كبيرة، ولما استشعرت توقفاً لهذه المكاسب وحرج موقفها في أزمة إدلب التي تمثل خسارة ولطمة قاسية على وجه السلطان، لجأت إلى ابتزاز الجانب الأوروبي والضمير العالمي بالاعلان عن عدم منع اللاجئين من محاولة دخول أوروبا!
الواقع يقول أن موجة اللاجئين الجديدة التي تقف على أبواب اوروبا هي أزمة تركية مفتعلة بامتياز، فالرئيس أردوغان يمارس ضغطاً قوياً على الأوروبيين لدعم موقفه المتعسر في إدلب، وبالتالي فإن وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لو دريان لم يبالغ حين اتهم تركيا بممارسة الابتزاز في مسألة اللاجئين، واشار إلى أن أوروبا لن ترضخ لهذا الابتزاز وأن حدودها ستظل مغلقة أمام المهاجرين الذين ترسلهم أنقرة.
رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، كان أكثر صراحة ومباشرة حين قال إن تركيا أصبحت مهربا رئيسيا للبشر، وأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يستغلهم لصرف النظر عن الملف السوري، وقال ميتسوتاكيس في مؤتمر صحفي: “لا أزمة في أعداد اللاجئين على الحدود التركية اليونانية”، مؤكدا أن الرقم الذي يسوقه أردوغان حول عددهم هو أقل بكثير من الرقم الحقيقي.
الحقيقة أن التلاعب بالأرقام هو جزء من أوراق ضغط الجانب التركي الذي يشير رسمياً إلى أن عدد المهاجرين غير النظاميين الذين عبروا الأراضي التركية إلى اليونان قد بلغ نحو 130 ألفا و469 مهاجرا، بينما ذكرت السلطات اليونانية، أنها منعت زهاء 10 آلاف مهاجر من اجتياز الحدود مع تركيا.
يقول وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، إنه لا يمكن لأي دولة أن تجبر تركيا على الاحتفاظ باللاجئين على أراضيها، وأنها تحترم رغبة اللاجئين بالذهاب إلى دولة ثالثة، ويجزم قائلاً "لسنا في وضعٍ يسمحُ بإيقافهم"، وهنا يضع نفسه أمام سيل من التساؤلات المشروعة؛ إذ يدرك اوغول أن الكثير من اللاجئين السوريين كانوا يريدون العبور من تركيا لأوروبا منذ بدايات الأزمة وتم منعهم والحيلولة دون ذلك مقابل الحصول على مليارات الدولارات من الجانب الأوروبي، أي أن تركيا ارتضت أن تكون الحارس على بوابة أوروبا حين كان الأمر مربحاً لها، ولما توقفت الأموال ورفضت أوروبا تقديم الدعم العسكري للجيش التركي في أزمة إدلب ظهر حديث اوغلو عن احترام رغبة اللاجئين في الذهب إلى دولة ثالثة! ثم كيف لا تكون تركيا في وضع يسمح بايقافهم وهي التي حاصرتهم داخل حدودها طيلة السنوات الماضية مقابل المساعدات الاوروبية، والمتاجرة السياسية بهم والآن بقرار من اردوغان فتحت لهم أبواب الذهاب إلى أوروبا للضغط عليها وإحراج حكوماتها.
الحقيقة إنها إدارة انتهازية بامتياز لأزمة اللاجئين من الجانب التركي، الذي يحاول تذكير أوروبا بالقيم الانسانية وهو من تجاهلها ودفع اللاجئين للموت على الحدود اليونانية! وكان حرياً بالسيد اوغلو أن يقول مباشرة أن تركيا تريد من تزويدها بمنظومة دفاع جوي من حلف شمال الأطلسي (ناتو)، فهو من قال في التصريح ذاته "نحن في تركيا معرضون بأي لحظة لتهديدات، لذلك نحن بحاجة ماسة لمنظمة دفاع جوي".