ما يشهده العالم في ظل تسارع وتيرة انتشار فيروس "كورونا" يمثل منعطفاً نوعياً خطراً، وتحد صعب للبشرية جمعاء، لاسيما بعد إعلان منظمة الصحة العالمية أن الفيروس بات "وباء عالمي"، ما يعني أن انتشاره في الدول كافة بات مسألة وقت ويتوقف على صرامة الاجراءات الوقائية وكذلك جدية السلطات في تطبيق هذه الاجراءات بالدقة والفاعلية اللازمين.
اعلان منظمة الصحة العالمية بحد ذاته يشير إلى أن التوقعات القائلة بامكانية السيطرة على انتشار الفيروس في مناطق جغرافية محدودة باتت منتهية، وأن انتقاله ـ بحسب الاحصاءات الرسمية ـ إلى أكثر من مائة دولة يعني بالتبعية تحوله إلى وباء عالمي، ولكن ثمة بٌعد حيوي في هذا الاعلان يتعلق بالفصل بين عالمية الوباء من ناحية وخطورته من ناحية ثانية، فالانتشار الجغرافي لا يعني بالضرورة أن خطورة الوباء تساوي حجم انتشاره الجغرافي الهائل.
الحقيقة أنني قرأت الكثير مما كتب من آراء حول تعامل الدول مع هذا الوباء، واستغربت كثيراً من تبني بعضاً من المحسوبين على الخبراء والمتخصصين في مجالات مختلفة، فكرة كارثية تقول بأن التعتيم على أخبار تفشي الوباء تناسب دولهم وتتماشى مع ثقافة شعوبهم تفادياً للهلع والخوف، وهي فكرة خاطئة تماماً بل وتتنافي مع المعايير والبروتوكولات الصحة العالمية، وتضر بالدول نفسها قبل أن تضر غيرها من الدول والشعوب، ولذا أجد لزاماً التعبير عن التقدير والاحترام لما اتخذته بعض دول مجلس التعاون، وفي مقدمتها الامارات والمملكة العربية السعودية الشقيقة، من إجراءات استباقية وقائية جادة للحفاظ على سلامة السكان والمقيمين فيها، حيث اثبتت الدولتان أن هناك تطوراً هائلاً في استراتيجيات إدارة الأزمات وأن العلم بات له الكلمة العليا في صناعة السياسات واتخاذ القرارات الاستراتيجية؛ ففي مثل هذه الحالات التعتيم هو الخيار الأسوأ للأسف الشديد، فالأمر في مثل هذه الحالات لا يتعلق بالسيادة أو الهيبة الوطنية، فالخطر بات يهدد الدول جميعها، كبيرها وصغيرها، وقد رأينا كيف تسبب التعتيم في تفشي فيروس "كورونا" في المدن الايرانية، بسبب إصرار السلطات على اتباع سياسة انكار والاستغراق في نظرية المؤامرة، والتركيز على اتهام "دول معادية" بالاساءة إلى الملالي، ومحاولة توظيف الأمر سياسيا و استغلال تفشي الوباء في الترويج للادعاءات التي تربط بينه وبين العقوبات الأمريكية وعدم حصول إيران على الأدوية!
القاسم المشترك بين معظم حالات تفشي فيروس كوروناـ بحسب الخبراء المتخصصين ـ هو الاستهتار والمماطلة والانكار والجهل وضعف المؤسسات الصحية والتسويف وتأجيل التعامل مع مصدر الخطر، ولذا فإن التكتم بات يمثل مجازفة بتحول الفيروس إلى وباء قاتل داخل أي دولة، ولا يجب أن ننسى هنا أن منظمة الصحة العالمية قد حذرت من وجود عدد من الدول ـ لم تسمها ـ التي تمارس التعتيم، وأن زيادة الاصابات بفيروس "كورونا" خلال الأسبوعين الماضيين قد زاد عالمياً بمقدار 13 ضعفاً عن الصين نقطة الانتشار الأساسية للفيروس، ما يعني تراجع أو انحسار في معدلات الاصابة بين الصينيين مقابل ارتفاع الاصابات في دول العالم المختلفة.
ولاشك ان انتشار الفيروس في ايطاليا وبعض دول أوروبا الأخرى قد أبطل مفعول نظرية المؤامرة وحد من انتشارها بعد أن أخذت اهتماماً ليس قليلاً في مناطق شتى من العالم، حيث ادى تفشي الفيروس في ايطاليا إلى غلق المدن وفرض حجر صحي على نحو 60 مليون نسمة، ما أكد للجميع أن العالم بصدد خطر صحي حقيقي يتجاوز فكرة المؤامرة والصراع على الهيمنة والنفوذ في القرن الحادي والعشرين، كما ردد البعض في بدايات الأزمة حيث روجت سيناريوهات لا علاقة لها بواقع الأزمة ولا تطوراتها!
الحقيقة أن التداعيات العالمية المتزايدة لانتشار فيروس كورونا تستوجب من الدول كافة توخي أقصى درجات الصرامة في تبني الاجراءات الطارئة التي تطالب بها منظمة الصحة العالمية، واتباع اقصى درجات الشفافية والمكاشفة في التعامل مع الاصابات، ما يسهم في الاسراع باحتواء الخطر والسيطرة عليه، لاسيما أن هناك عدد من الدول قد أظهرت ان بالامكان قمع الفيروس والسيطرة عليه كما تؤكد منظمة الصحة العالمية.
المسألة هنا تتعلق بحماية مواطني العالم وليس بشعب دون آخر، والأمر جد خطير وقد رأينا كيف أن المستشارة الالمانية تحذر من احتمالية اصابة نحو 70% من سكان البلاد ـ نحو 58 مليون شخص ـ بفيروس كورونا، وأشارت إلى أن الأمر يتعلق بابطاء انتشار الفيروس وليس بانهاء خطره تماماً لأنه ليس هناك علاج معروف ومن ثم فالرهان ينصب على كسب الوقت.
قناعتي أن العالم قد تحول خلال الأسبوعين الماضيين إلى التعامل بشكل أكثر جدية مع تهديد كورونا لاسيما بعد التفشي في بعض دول أوروبا، وهذا الأمر قد ينتج روابط تعاون دولية قوية في مواجهة الخطر ولكن لا يزال الأمر في هذا الصدد غير واضح، ولا تزال كثير من التساؤلات مطروحة حول سيناريوهات الخطر في حال تفشي الفيروس في دول آسيوية وافريقية ذات تعدد سكاني كبير وامكانيات مادية وصحية محدودة.