لا أدرى إلى متى يستمر عجز المجتمع الدولي عن التصدي للميلشيات التي ترعاها دول وقوى اقليمية معروفة للجميع؟ جماعة الحوثي اليمنية هي إحدى هذه الميلشيات التي تحظى بدعم ورعاية وتمويل وتسليح نظام الملالي الايراني، ولذا فإن هذه الجماعة تواصل انتهاك القانون الدولي وتحاول باستماتة الاعتداء على المدنيين والمنشآت المدنية في المملكة العربية السعودية، حيث اعترضت الدفاعات السعودية مؤخراً 3 صواريخ باليستية و3 طائرات مسيرة مفخخة أطلقتها ميلشيات الحوثي باتجاه المنطقة الشرقية وجازان ونجران جنوبي المملكة.
هذا الاعتداء الهجمي الحوثي يمثل تصعيداً خطيراً في الاعتداءات التي تستهدف المدنيين السعوديين، ويعكس رغبة الحوثيين في خلط الأوراق ونسف أي فرص للبحث عن الأمن والاستقرار في اليمن، كما تعكس قراءة خاطئة من قادة هذه الميلشيا ورعاتها للمستجدات الاقليمية والدولية، حيث يُعتقد أن ممولي الحوثي يرون في الانسحاب الأمريكي من أفغانستان فرصة سانحة لتعزيز قبضة الحوثي على مفاصل الدولة اليمنية واستغلال حالة الفوضى السائدة في العلاقات الدولية في تنفيذ مخططهم باليمن.
هذا التحدي السافر للمجتمع الدولي والاستخفاف بميثاق الأمم المتحدة والقوانين والأعراف الدولية، يأتي بسبب الصمت والعجز الدوليين في مواجهة الانتهاكات المتواصلة للحوثيين ما ترتب عليه محاولتهم المستمرة استغلال هذه الأجواء في مواصلة الاعتداء على المدنيين واستهداف المنشآت الحيوية بالمملكة العربية السعودية.
صحيح أن القوى الكبرى والمنظمات الدولية تدعم الموقف السعودي، حيث نددت السفارة الأمريكية بالمملكة بالهجوم الصاروخي الأخير للحوثيين على المنشآت المدنية السعودية، ودعت الولايات المتحدة الحوثيين إلى وقف "الهجمات العبثية" فوراً، والبدء في العمل للتوصل لحل سلمي ودبلوماسي للصراع، وكذلك فعلت دول وعواصم عدة، ولكن الأمر بات يتطلب ماهو أكثر من رد فعل وقتي، بل يتطلب تحركاً على الأرض لإجبار هذه الميلشيات المارقة على وقف هجماتها والاذعان لجهود التسوية السياسية للأزمة اليمنية، فالحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين يقعان تحت مسؤولية مجلس الأمن الدولي ويمثلان جوهر اهدافه ومهامه، حيث رسم ميثاق الأمم المتحدة للمجلس دوره في هذا الشأن وحدد له الوسائل التي يمكن الأخذ بها لممارسة هذا الدور الحيوي، ولكن مايحدث في أزمات عالمية أن المجلس بات عاجزاً عن أداء الدور المنوط به لأسباب واعتبارات معقدة ومتشابكة للغاية، لسنا بصدد مناقشتها الآن!
ولاشك أن نجاح وفاعلية الدفاعات السعودية في صد الهجمات الحوثية، فإنه لا يعقل أن تكون المنشآت الحيوية للمملكة، ولاسيما المنشآت النفطية والمطارات المدنية، هدفاً متكرراً لميلشيات مارقة تنفذ تعليمات دول اقليمية تريد ابتزاز المملكة وقيادتها وشعبها، والجميع يعرف كيف تمرّس نظام الملالي الايراني على لعبة المزاوجة بين التحركات السياسية والعمليات العسكرية، وكيف يستغل أذرعه الطائفية المسلحة ووكلائه الاقليميين في تنفيذ أجندته سواء في العلاقات الاقليمية أو الدولية.
الحقيقة أن التحدي الذي تمثله الاعتداءات الحوثية لمهمة المبعوث الأممي الجديد لليمن هانز جروندبرج، الذي خلف البريطاني مارتن جريفث يمثل أيضاً تحدياً لكل القوى الدولية الداعية لانهاء الصراع في اليمن، فالاجماع الدولي والاقليمي غير المسبوق بشأن ضرورة وقف هجوم الحوثيين على محافظة مأرب اليمنية، والذي تحدث عنه وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن يحتاج إلى تحركات جادة على الأرض وخارطة طريق واضحة وسقفاً زمنياً ملزماً لانهاء هذا الصراع، فالحل السياسي لن يتحقق في ظل اكتفاء القوى الكبرى بتوجيه الدعوات والنداءات والمناشدات للحوثي لوقف العمليات العسكرية، فالحوثي يتحدث علناً عن مواصلة العمليات الهجومية وأنها "ستكبر وتتسع" من دون يخشى عواقب الاستمرار في التصعيد المسلح مع كل ما يعنيه ذلك من نتائج كارثية على الأمن والاستقرار الاقليمي فضلاً عن استمرار معاناة الشعب اليمني جراء انهيار الخدمات وتردي الظروف المعيشية والصحية.
وإذا كانت الولايات المتحدة تمر بمرحلة انتقالية تنشغل فيها عن الاضطلاع بمهامها في دعم الأمن والاستقرار بمناطق نفوذها التقليدية وظروف داخلية ودولية يعرفها الجميع، فإن منطقة الخليج العربي لا تهم الولايات المتحدة، كقوة عظمى فقط، فهي في قلب الاهتمامات الاستراتيجية لجميع القوى الكبرى من دون استثناء، لذا فإن من الخطأ غض الطرف عما يدور في هذه المنطقة الحيوية من أحداث، فالصين وروسيا ودول الاتحاد الأوروبي لا يجب أن تنظر لانتهاكات ميلشيات الحوثي باعتبارها شأناً يخص هذا الطرف أو ذاك لأن كرة الثلج يمكن أن تكبر وتتدحرج وتؤثر سلباً في مصالح الجميع.
الخلاصة أنه لا يجب على المجتمع الدولي الاكتفاء بدور المراقب لما يحدث من تأزم عميق في اليمن، ومن تصعيد عدواني تمارسه ميلشيات الحوثي بحق المملكة العربية السعودية، فالحفاظ على أمن الطاقة وضمان أمن المدنيين في المملكة يتطلبان إجراءات دولية عاجلة تجبر ميلشيا الحوثي ورعاتها في إيران على وقف العبث بالأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي، إذ لا يعقل ارتهان أمن الدول وسيادتها لبلطجة ميلشيا مارقة، كما لا يعقل أن يرتهن شعب اليمن بأكمله لأغراض ملالي إيران وأجندتهم التوسعية الاقليمية التي لا يبدو أنها أوشكت، أو حتى اقتربت، من تحقيق أهدافها.