عندما يتم توصيف ما تشهده العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها في دول مجلس التعاون ودولة الإمارات تحديداً بأنه اختبار تحمل صعب، فإن هذا الوصف ينطبق كذلك على حلفاء آخرين لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط، ويصبح تعميم ذلك جائزاً بل ودقيقاً للغاية لأن الولايات المتحدة لا تزال تبرهن يوماً بعد آخر على أنها تتجاهل أو تتغاضى عن وجهات نظر وهواجس وبواعث قلق حلفائها، والمسألة هنا لا تقاس بالأقوال بل بالأفعال؛ فالحديث الذي تكرر خلال الآونة الأخيرة بشأن تأكيد مصداقية الإلتزام الأمريكي بأمن الحلفاء لا يتبعه سوى تحرك في اتجاه معاكس تماماً!
إجترار التصريحات الأمريكية حول "تفهم" بواعث قلق الحلفاء والتأكيد على إلتزام واشنطن بأمن هؤلاء الحلفاء تزايد في الآونة الأخيرة، ما اعتبره بعض المراقبين بل ومسؤولين أمريكيين بمنزلة إعادة تموضع استراتيجي أمريكي، أو إعادة نظر في مسألة تراجع أولوية الشرق الأوسط في حسابات الإهتمام الأمريكية، ولكن الحاصل فعلياً أن سلوك واشنطن لا يجسد ذلك كله بل يمضي في طريق إستنساخ الأخطاء الكبرى ذاتها التي سبق أن وقعت فيها وتسببت في إحداث شروخ عميقة في جدار العلاقات الأمريكية مع الحلفاء الشرق أوسطيين لم تزل تعاني منها حتى الآن؛ والمقصود هنا تحديداً توقيع الإتفاق النووي مع إيران عام 2015، حين تجاهلت إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما وجهات نظر دول مجلس التعاون و إسرائيل، وضربت بكل ذلك عرض الحائظ واكتفت بتصريحات طمأنة لا تغني ولا تسمن من جوع، ومضت في طريقها لتوقع الاتفاق البائس الذي تسبب في أسوأ المعضلات الإستراتيجية التي تعانيها منطقة الشرق الأوسط حتى الآن.
هناك شواهد ومؤشرات وتقارير عدة تتحدث عن وجود توجه أمريكي للاستجابة للمطلب أو الشرط الإيراني الخاص بشطب الحرس الثوري الإيراني من قوائم الإرهاب الأمريكية، وفي ظل موروث طويل من التجارب التي تؤكد أن مثل هذه التقارير ليست سوى "جس نبض" لإختبار ردات فعل معينة أو إمتصاص غضب متوقع، أو تهيئة أطراف معينة لتقبل موقف تعرف واشنطن مسبقاً أنه إستفزازي، يصبح من المقبول التعامل مع هذه "التسريبات" باعتبارها حقيقة ما لم يتم نفيها رسمياً أو تبني سلوك مغاير لها، خصوصاً أن هناك سوابق مماثلة للولايات المتحدة!
بالتأكيد لم يكن رئيس الوزراء الاسرائيلي نفتالي بينيت يشير إلى "قلقه" بشأن نية واشنطن الإستجابة لـ"المطلب الإيراني الصفيق" وإزالة الحرس الثوري من قوائم الإرهاب سوى تعبير عما يشعر به باقي حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، حيث يشعر الجميع بأن الولايات المتحدة تضرب مجدداً بمخاوفهم المشروعة عرض الحائط، وتتجه لإستنساخ سيناريو الإتفاق النووي الذي وقعته إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما مع إيران عام 2015، والذي تسبب في معظم المعضلات الأمنية التي تعانيها المنطقة حتى الآن.
حاول بينيت في تصريحاته لفت الإنتباه إلى خطورة الحرس الثوري،ـ مشيراً إلى أنه "أكبر تنظيمات الإرهاب وأكثرها دموية في العالم" ولأنني لا احبذ التأثر اللحظي بالأحداث وأتمسك بموضوعية الباحث قدر الإمكان، فإنني لااؤيد فكرة وضع تراتبية معينة للتنظيمات الإرهابية يكون الحرس الثوري على رأسها كونه مدعوم من الدولة الايرانية، وذلك لسبب بسيط هو أن وضع مصادر الخطر في سلة واحدة يجعلنا أكثر يقظة للتصدي لخطر الإرهاب من دون تهوين أو تهويل، بحيث نقف ضدها جميعاً على مسافة واحدة، رغم أننا في منطقة الخليج العربي نعد الأكثر انزعاجاً من ممارسات الحرس الثوري وميليشياته المنتشرة في دول عدة من حولنا.
واقعيا فإن صفقة إحياء الاتفاق النووي ـ إن تمت ـ بالشروط الإيرانية المعلنة إعلامياً، فستعبر بوضوح عن إنتفاء قناعة إدارة الرئيس بايدن بما تردده حول إلتزامها بحماية أمن الحلفاء، وتؤكد إستمرار الهاجس الأكبر متمثلاً في التجاهل الأمريكي لمخاوف الحلفاء، والخضوع للضغوط الإيرانية والمضي وراء رهان فاشل بمحاولة تحييد إيران أو إستقطابها في لعبة التنافس القطبي، لأن هذا التصور بعيد عن الواقع تماماً، بل من الوهم بناء تصور قائم على أن النظام الإيراني يمكن أن يطوي صفحة الماضي ويتجه إلى تقارب مع الغرب، لأن براجماتية الملالي يصعب أن تقفز كلياً على أيديولوجية معادية للإعتدال والتعايش، ناهيك عن ترسانة الشعارات الأيديولوجية التي استخدمتها طيلة العقود والسنوات الماضية من أجل كسب ود من تعتبره "الشيطان الأكير".
المؤكد فيما سبق أن الولايات المتحدة تواجه إختبار مصداقية مصيري في علاقتها مع حلفاء الشرق الأوسط، ورغم أن هناك فوارق في مستوى الموثوقية وقوة التحالف الأمريكي مع دول مجلس التعاون من جهة و إسرائيل من جهة ثانية، فإن شروط الصفقة النووية المحتملة ستؤثر حتما في علاقات الحلفاء جميعهم مع واشنطن، ما يجعل فكرة بناء تحالف دفاعي إقليمي في مواجهة خطر القوى التوسعية مخرجاً ضرورياً لتفادي البقاء رهينة للتهديد الإيراني في ظل مواصلة واشنطن تجاهل بواعث قلق حلفائها والسعي وراء مصالحها بغض النظر عن تأثير ذلك على الحلفاء.