في ظل ما يتردد إعلامياً حول جمود المفاوضات الخاصة بإحياء الإتفاق النووي الذي تم توقيعه مع إيران عام 2015، تركز التقارير على موقف إدارة الرئيس بايدن من المطلب الإيراني الخاص برفع اسم "الحرس الثوري" من قوائم الإرهاب الأمريكية.
اعتقد ـ شخصياً ـ أن البيت الأبيض لا يرفض تماماً المطلب الإيراني، ولكنه يحاول التوصل إلى "صفقة" داخل الصفقة، بمعنى إعطاء طهران ماتريده مقابل الحصول على ما يتيح للرئيس بايدن تسويق "الصفقة" الأشمل الخاصة بالإتفاق للرأي العام الأمريكي، وأيضاً لشركاء الولايات المتحدة في الشرق الوسط والخليج العربي.
تحليلياً، يصعب القطع تماماً بأن مطلب رفع الحرس الثوري من قوائم الإرهاب الأمريكية يمثل معضلة للمفاوض الأمريكي، بل اعتقد أنه قد حقق إنفراجة تتماشى مع التفكير الإستراتيجي للطرفين، الأمريكي والإيراني، فكلاهما يعاني وضعاً صعباً في الداخل والخارج، وكلاهما يحتاج إلى "إنجاز" يقدمه لمؤيديه وحلفائه، باعتبار أن إحياء الاتفاق بحد ذاته موضع خلاف لدى الطرفين، حول الشروط وحجم المكاسب والتنازلات، وبالتالي فالصفقة تبدو بحاجة إلى "صفقة" قد تبدو أصغر ولكنها أكثر تأثيراً من الناحية الواقعية.
نظرياً يبدو للجميع أن إيران التي تردد دائماً أنها لم تعد تتأثر بالعقوبات الامريكية المفروضة عليها وأنها اعتادت على تأثيراتها .... الخ، لا يمكن أن تتراجع في خطابها الرسمي والإعلامي وتشير إلى أن رفع هذه العقوبات مكسب إستراتيجي كبير، وبالتالي فهي بحاجة إلى تنازل أمريكي كبير مثل رفع اسم "الحرس الثوري" من قوائم الإرهاب، فهي الخطوة التي يمكن أن ترضي قادة الحرس وتحول دون إعتراضهم على أي شروط لإحياء الاتفاق النووي، وبالتالي فهي تحافظ على تماسك النظام الإيراني على الاقل في مواجهة منتقديه في الداخل، لاسيما في ضوء تزايد موجات السخط الداخلي الناجم عن تردي الأوضاع المعيشية وسوء الأحوال الاقتصادية.
على الجانب الآخر، قد يجد البيت الأبيض في المطلب الايراني "الكبير" فرصة ثمينة للحصول على تنازلات مقابلة، في مقدمتها الحصول على تعهدات قاطعة بإغلاق ملف مقتل الجنرال قاسم سليماني، حيث بات واضحاً أن الولايات المتحدة لا ترغب في أن تواصل إيران توجيه ضربات صاروخية للقواعد الأمريكية في العراق تحت شعار "الانتقام" لمقتل سليماني، واعتقد أن هذا المطلب يمثل أولوية للمفاوض الأمريكي، الذي قد يطرح مطلباً آخر هو التفاوض حول البرنامج الصاروخي الإيراني ومجمل الأنشطة الإقليمية الإيرانية.
قراءة الشواهد تشير إلى أن التفاهم حول صفقة متبادلة في هذا الإطار لا يبدو مستبعداً، لاسيما في ظل حرص إدارة الرئيس بايدن على المضي حتى النهاية في مفاوضات فيينا من أجل تفادي الفشل الذي سيدفع الديمقراطيون ثمنه غالياً، ناهيك عن تجاوز إختلاف الآراء داخل الحزب الديمقراطي بل داخل إدارة الرئيس بايدن نفسها حول بناء موقف من تصنيف الحرس الثوري الإيراني، بينما يبدو الجانب الإيراني أيضاً على الدرجة ذاتها من التمسك بتلابيب المفاوضات للخروج من كابوس العقوبات التي تقوض أسس الإقتصاد الإيراني رغم كل الإدعاءات التي تتردد في هذا الشأن، علاوة على أن رفع اسم الحرس الثوري من قوائم الإرهاب ليس مسألة شكلية بالمرة، بل إنتصار إستراتيجي كبير في ظل هيمنة هذه القوة على مفاصل الإقتصاد والدولة الإيرانية.
أعتقد أن الخطوط الحمراء للمفاوض الإيراني تقتصر على ملف برنامج الصواريخ الباليسيتية والانشطة الإقليمية الإيرانية، وعدا ذلك يمكن أن يدخل ضمن بنود أي صفقة محتملة مع الولايات المتحدة، وهذا الأمر ـ إن تم ـ يمثل خسارة إضافية بالنسبة لدول الشرق الأوسط والخليج العربي، ويعني أن الولايات المتحدة تواصل التركيز على مصالحها الإستراتيجية الضيقة دون النظر لمصالح الشركاء الإستراتيجيين.
المعضلة التي تواجه طرفي مفاوضات فيينا إذاً هي الكلفة السياسية للتنازلات التي سيقدمها للآخر، ولكن الخطأ الأكبر في هذا كله هو التوصل إلى تفاهمات اللحظة الأخيرة من خلال تفكيك مطالب كل طرف بحيث يحصل كل منهما على جزء من مطالبه، بمعنى أن إيران تحصل على رفع اسم الحرس الثوري من قوائم الإرهاب عدا "قوة القدس"، بحيث تخرج الأذرع الإقتصادية والتجارية من العقوبات ويتم الابقاء على الذراع العسكري، ولكن هذا السيناريو قد يفضي إلى كوارث جديدة في ضوء صعوبة الفصل بين فصائل الحرس وأنشطته السرية للغاية، ما يعني أن الأمر كله سيكون شكلياً لمجرد تمرير وتبرير هذه الخطوة أمريكياً!