منذ عام تقريباً، وتحديداً في أغسطس من العام الماضي، بدأت مؤشرات شعبية الرئيس الأمريكي جو بايدن في التدهور والهبوط لمستويات قياسية بتأثير الأثر السلبي البالغ للإنسحاب الأمريكي المتسرع من أفغانستان وما تلاه من مشاهد فوضوية وسيطرة حركة "طالبان" على العاصمة الأفغانية، وعودتها للحكم وتحول الأمر برمته إلى أزمة سياسية وكارثة علاقات عامة أساءة كثيرا للصورة النمطية للولايات المتحدة في العالم، وتحول الأمر إلى طوفان من الإنتقادات الدولية للسياسات الأمريكية والهجوم الحزبي على إدارة الرئيس بايدن، ومحاولة إظهاره كرئيس متردد ومرتبك.
صحيح أن ملفات السياسة الخارجية بشكل عام ليس لها تأثير في صناديق الإقتراع الأمريكية، ولاسيما على مستوى إنتخابات التجديد النصفي للكونجرس، ولكن حينما يتعلق الأمر بصورة الولايات المتحدة وهيبتها عالمياً، يتحول تلقائياً إلى مادة للتداول في البورصات الانتخابية، وهو ما يسعى بايدن لتجاوزه من خلال ايجاد ربط جديد بين أفغانستان ونجاح أمريكي جديد في قتل أكبر رأس إرهابي على قيد الحياة في العالم، وهو أيمن الظواهري زعيم تنظيم "القاعدة" والسعي لأن يحل تأثير مقتل الظواهري، محل صورة "الفشل" والمشاهد الفوضوية للإنسحاب في الوعي الجمعي للرأي العام الأمريكي.
ولاشك أن مقتل أيمن الظواهري، بكل ما يعنيه لدى الرأي العام الأمريكي من إرتباط بإعتداءات 11 سبتمبر 2001، يعيد تسليط الضوء مجدداً على الملف الأفغاني، ويعطي لهذا الأمر وزناً نسبياً ربما يسهم في تعزيز شعبية الرئيس بايدن خلال الفترة المقبلة، أو على الأقل يحد من نزيف نقاط الشعبية التي يفقدها بشكل متسارع خلال الأشهر الأخيرة.
في العام الأخير تراجعت شعبية الرئيس الأمريكي لمستويات قياسية لأسباب واعتبارات عدة أبرزها ارتفاع أعداد ضحايا تفشي وباء "كوفيد" ومتحوري "دلتا" و"اميكرون"، وخسائر إعصار "إيداً" في ولايات الجنوب والجنوب الشرقي، وتأثير الإنسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان، ثم جاءت الأزمة الأوكرانية وارتفاع معدلات التضخم التي تعد الأعلى أمريكياً منذ أربعة عقود ومايرافقها من غلاء أسعار وتدهور معيشي، فضلاً عن الشكوك والروايات حول حالته الصحية والذهنية، لتدفع شعبية الرئيس إلى انخفاضات جديدة.
في استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "جالوب" الأمريكية مؤخراً، دخل الرئيس بايدن قائمة الرؤساء الذين حققوا أقل شعبية خلال هذه الفترة من رئاستهم في تاريخ الولايات المتحدة، حيث انخفض تصنيفه إلى مادون ألـ 40% للمرة الأولى منذ توليه منصبه، وهي القائمة التي تشمل سلفه دونالد ترامب وجيمي كارتر وجيرالد فورد وجورج بوش الأب.
وبطبيعة الحال لا يمكن البناء على نتائج الاستطلاعات في أي فترة كمؤشر نهائي لشعبية الرئيس؛ فمن المعتاد أي ترتفع هذه الشعبية وتنخفض وفقاً للأخبار الجيدة والسيئة، ولاسيما الإقتصادية منها، وهذا مايبدو صعباً بالنسبة للرئيس بايدن على الأقل في الظروف الدولية الراهنة، وما تسببه من ارتفاعات قياسية في أسعار مواد الطاقة والوقود في الداخل الأمريكي، وبالتالي من الصعب القطع بأن أي حدث سياسي قد يلعب دور الرافعة لشعبية الرئيس في هذه الظروف، ولو حدث ذلك فسيكون بشكل مؤقت للغاية ربما لا يتجاوز يوم أو يومين وسرعان ما ينقضي أثره بفعل أثر الإرتفاع المستمر لأسعار الوقود والسلع.
الشواهد تقول أن المزاج العام الأمريكي في الوقت والظروف الراهنة سىء إلى حد كبير، ومن الصعب أن ينتشل خبر مثل مقتل الظواهري شعبية الرئيس من التدهور، وإن كان من المرجح أن يسهم ـ ولو قليلاً ـ في الحفاظ عليها ولو لفترة وجيزة كما أشرت سالفاً. وقناعتي أن أكثر مايهدد بايدن والحزب الديمقراطي خلال الفترة المقبلة، ولاسيما في إنتخابات التجديد النصفي للكونجرس المقرر في نوفمبر المقبل، ليس الأداء السياسي والإقتصادي، بل التشوش الذهني والسقطات البدنية والذهنية والكلامية المتعددة والمتواصلة التي يظهر فيها رئيس أكبر دولة في العالم بصورة ضعيفة لا يقبلها الرأي العام الأمريكي، وهو ما يمكن ملاحظته في رفض أكثر من 75% من الديمقراطيين والمؤيدين للحزب انتخابات بايدن لولاية رئاسية ثانية بحسب الإستطلاعات، وبالتالي فإن أكثر ما يشغل الحزب الديمقراطي في الوقت الراهن هو إنقاذ فرصه في الحفاظ على الأغلبية بمجلس النواب في الانتخابات المقبلة، وهو ما يفسر ـجزئياًـ تصميم نانسي بيلوسي رئيس مجلس النواب على زيارة تايوان كون هذه القضية أحد نقاط الإجماع المشتركة بين الجمهوريين والديمقراطيين، وحيث تحاول من خلال ذلك إثبات قوة الديمقراطيين في الدفاع عن مواقفهم.