رغم تعدد واختلاف أوجه النقاش حول معاني ودلالات وأبعاد وتداعيات مقتل أيمن الظواهري زعيم تنظيم "القاعدة" مؤخراً في العاصمة الأفغانية، كابول، فإن أحد أهم هذه النقاشات يتعلق بموقف حركة "طالبان" التي تعهدت أكثر من مرة للعالم أجمع، وليس للولايات المتحدة فقط بالنأي بنفسها عن تنظيمات الارهاب، وعدم توفير مأوى لقادة هذه التنظيمات وعناصرها على الأراضي الأفغانية مجدداً.
لم يكد يمر عدة أشهر على سيطرة الحركة على كابول، حتى أعلنت الولايات المتحدة مقتل أحد أخطر الإرهابيين الدوليين، أيمن الظواهري زعيم تنظيم "القاعدة" الذي كان يختبىء في قلب مدينة تسيطر عليها "طالبان" بشكل محكم، وهو ما ينسف أي فرصة للتنصل من المسؤولية عن وجوده في أفغانستان، بل إن الرواية الأمريكية حول ملابسات العملية التي تمت بطائرة مسيرة، تشير إلى تزامن وصول أسرة الظواهري للاختباء في العاصمة الأفغانية وانتقالها من المناطق الحدودية، وسيطرة حركة "طالبان" على العاصمة!
بلا شك فإن مقتل الظواهري وانكشاف وجوده في كابول يمثل أزمة كبرى للحركة الأفغانية، ونسف فعلي لكل جهودها ومحاولاتها الحثيثة للظهور بمظهر جديد أمام المجتمع الدولي، والسعي لاثبات تغيرها عما سبق، حيث كانت تأوي أسامة بن لادن ورفاقه ـ بمن فيهم الظواهري ـ في عام 2001. وبلا شك أيضاً فإن كل جهود الحركة على الصعيد الدبلوماسي لإثبات تغيرها وحسن نواياها قد ذهبت أدراج الرياح، وأن وجهها الحقيقي قد انكشف، ليتأكد للجميع صعوبة حصول تغيير فعلي في القناعات الفكرية والأيديولوجية للتنظيمات المتشددة، التي تستند في جزء كبير من شرعية وجودها وجاذبيتها في نظر مؤيديها وأنصارها إلى هذه الأفكار والقناعات التي لا يمكن التخلي عنها أو حتى التخفيف من غلواء تشددها كونها أصبحت لصيقة بالتنظيم وعنصر أساسي في بقائه واستمراره.
في الوقت الذي تكثف فيه حركة "طالبان" جهودها وتحركاتها للحصول على إعتراف دبلوماسي إقليمي ودولي بحكومتها، وكذلك رفع العقوبات المفروضة والإفراج عن الأموال الأفغانية المجمدة لدى الولايات المتحدة، كانت دوائر الإستخبارات الأمريكية تراقب تحركات الظواهري في قلب العاصمة التي تسيطر عليها الحركة، ولمدة أشهر طويلة، وبالتالي فإن من غير المنطقي الادعاء بحصول إنتهاك للسيادة الأفغانية خلال العملية الأمريكية في كابول، بل إن "طالبان" باتت في وضع سياسي معقد للغاية، وربما بات يتعين عليها خوض مفاوضات جديدة وبذل جهود مكثفة وتقديم تنازلات كبرى من أجل إسترداد قدر من الثقة المفقودة في مدى إلتزامها بالعهود التي تقطعها على نفسها، ولاسيما ما يتعلق برعاية وايواء عناصر الإرهاب، حيث تأكد للعالم بأن الزعم بتفكيك العلاقات بين الطرفين ليس سوى خدعة سخيفة، وأن الإدعاء بمحلية الحركة وعدم وجود أجندة خارجية لها يخفي كارثة كبرى.
تشير بعض التقارير الإعلامية إلى حقائق مثيرة للسخرية في المسألة الطالبانية، فوزير داخلية الحركة، سراج الدين حقاني، الذي لا يكف عن تأكيد موت "القاعدة" وانتفاء أي وجود لها في أفغانستان، هو نفسه من تقول المعلومات الأمريكية المنشورة أن أحد مساعديه قام بتأجير منزل يمتلكه للظواهري، في منطقة تخضع تماماً لسيطرة حقاني ورجاله، بل وقريب من مبنى تتخذه وزارة داخلية الحركة مقراً لها!
المعضلة أن ملف الظواهري لن يغلق بمقتله بل سيفتح ملفات أخرى منها علاقات حركة "طالبان" مع دول الجوار الأفغاني، ولاسيما الصين وروسيا والهند، حيث تستعد الأخيرة لفتح ممثلية لها في كابول، وحيث يصعب على نيودلهي المضي في تطبيع العلاقات مع الحركة الأفغانية في ظل تأكد إستمرار علاقتها بتنظيمات الإرهاب.
البعض يرى أن من الصعب أن تسيطر "طالبان" تماماً على تنظيمات الإرهاب المنتشرة على الأراضي الأفغانية، ولكن هذه فرضية ليست للنقاش في حالتنا هذه، لأن الظواهري لم يكن منتشراً على أراضي أفغانستان ولا مكان اختبائه مجهولاً، بل كان ـ على الأرجح ـ يعيش تحت سمع وبصر قادة الحركة، والمسألة هنا لا تتعلق بتقييد حركته والسيطرة عليه، ولا حتى بإرث علاقات قديمة تتمسك الحركة ببقائها من دون تأثير على الآخرين، أي عدم السماح له أو لغيره بتخطيط وتنفيذ إعتداءات إرهابية ضد الولايات المتحدة أو غيرها من الدول داخل أو خارج أفغانستان، بل ترتبط أساساً بصعوبة تفكيك الروابط الأيديولوجية والقناعات الفكرية التي تتقاسمها "طالبان" مع "القاعدة" تحديداً.