هناك كثير من التجارب الدالة على أن التنظيمات الإرهابية التي تتبنى فكراً حركياً معيناً تمر بأطوار حياتية ترتبط في معظمها بمنعطفات أو أزمات مفصلية في مسيرة هذه التنظيمات، ومن ذلك تفكك تنظيم "القاعدة" وكذلك "داعش" وتحولهما إلى تنظيمات فسيفسائية في مناطق جغرافية متفرقة لا تخضع لقيادة مركزية موحدة وإن كانت هذه التنظيمات تحاول الابقاء على مسمى التنظيم الأم لأسباب واعتبارات مختلفة.
القاسم المشترك في مسألة تفكك التنظيمات أو تشظيها هو تعرضها لهزيمة عسكرية كبرى أو غياب قادة مؤسسين أو مؤثرين لهذه التنظيمات، وهنا تطرح تساؤلات حول احتمالات تفكك حركة "حماس الإرهابية " بعد نهاية الحرب الدائرة حالياً في قطاع غزة، وقد برزت هذه الاحتمالية بقوة في ظل غياب القيادة الموحدة للحركة بعد اغتيال يحيي السنوار، والاعتماد على مجلس قيادة مشترك، فضلاً عن أن اليوم التالي للحرب سيشهد مراجعات واسعة متوقعة لما حدث، حيث يصعب على التنظيم الإرهابي مواصلة البقاء سواء بسبب القضاء على قدراته العسكرية والمؤسسية ومعظم كوادره وقادته العسكريين والميدانيين، أو لأن الخطط التي يتم التوافق بشأنها في الوقت الراهن بين أطراف اقليمية ودولية مختلفة تقوم على اقصاء الحركة الإرهابية بشكل تام من حكم قطاع غزة.
ورغم أن التقارير الإعلامية الإسرائيلية تشير إلى أن حركة "حماس الإرهابية " قد عادت للنشاط في مناطق شمال غزة برعاية من السكان، فإن هذه التقارير لا تمثل دليلاً عن قدرة الحركة على مواصلة البقاء لأن الوضع الراهن برمته هو وضع طارىء ومعقد كما أن عدم وجود أي بديل للحركة الإرهابية حتى الآن يعني أن أي ظهور لها سيكون ملاذ للسكان سواء بسبب خوفهم من الظروف المحيطة بهم، أو بسبب عدم قدرتهم على إظهار أي مواجهة مع عناصر الحركة في الظروف الراهنة.
بلاشك أن استمرار الجدل بين الأطراف وغياب أي بديل قادر على أن يتولى حكم قطاع غزة في اليوم التالي لانتهاء الحرب سيكون إيذاناً بعودة الحركة تدريجياً، وبالتالي فإن مصير حماس الإرهابية بات مرهوناً بتوافر البديل المؤسسي القادر على تدبير شؤون القطاع ولاسيما فيما يتعلق بفرض النظام والقانون في مرحلة يشهد القطاع فيها فوضى تامة في جميع جوانب الحياة.
بقاء حماس الإرهابية كتلة متماسكة أو تفككها مرهون كذلك بسيناريو نهاية الحرب الجارية مع جيش دفاع دولة إسرائيل، فلو لم يستطع الأخير ايقاع هزيمة كاملة بالحركة الإرهابية فمن الوارد أن تظل الحركة متماسكة وتستطيع وقتذاك الادعاء بأنها هزمت الجيش الاسرائيلي او على الأقل يمكنها تفسير مجرد بقائها باعتباره انتصار لها ولو من الناحية الدعائية. ثمة أمر مهم آخر حاسم في مسألة مصير الحركة الإرهابية وهو موقف بقية الفصائل الفلسطينية بمعنى نتائج الضغوط التي تمارس على السلطة الفلسطينية من أجل الإصلاح وإعادة الهيكلة والتخلص من الفساد، لأن استمرار السلطة بشكلها الحالي يغري على بقاء سلطات موازية أو ظهور حركات أخرى تتبنى الفكر المتشدد والمتطرف ذاته بلافتات مغايرة. أضف إلى ماسبق مراجعات سكان القطاع، او من تبقى مهم لكل ما حدث وهو أمر لا يصب في مصلحة استمرار حماس الإرهابية بأي شكل من الأشكال لأن الدمار الهائل الذي تعرضت له مدن القطاع كافة لا يمكن تبريره، كما لا يمكن للحركة الإرهابية أن توفر الأطر اللازمة لإعادة الإعمار، ولن يوافق أي طرف إقليمي أو دولي على التعاون او تقديم الدعم المالي في ظل بقاء حماس الإرهابية في الحكم سواء بشكل أساسي أو حتى مجرد شريك في حكم القطاع، وهذا كله قد يدفع باتجاه تفكك الحركة الإرهابية جراء الضغوط الداخلية الناجمة عن المراجعات المتوقعة، أو بحثاً عن التهرب من المسؤولية والافلات من المحاسبة ثم الظهور مجدداً في شكل تنظيمات حركية إرهابية مختلفة تتبنى الفكر الأيديولوجي ذاته.
حالة "حماس الإرهابية " ربما تبدو أيضاً أشبه بحالة حركة طالبان الأفغانية في مواجهة القوات الأمريكية، حيث ظلت الحركة الأفغانية متماسكة بسبب عدم قدرة الجيش الأمريكي على الحاق هزيمة عسكرية كاملة بها، وهو على خلاف ماحدث في حالات أخرى مثل تنظيم "داعش" و"القاعدة" الإرهابيين اللذين هزما بشكل واضح في مواجهات عسكرية وتفككت أوصالهما، فتحول الجسم الرئيسي للتنظيم إلى فسيفساء تناثرت في مناطق جغرافية شتى. ولا نتفق في هذا الصدد مع الخبراء الأمريكيين الذين اعتبروا أن مقتل يحي السنوار يشبه زعيم "القاعدة" مقتل أسامة بن لادن وتأثيره على مصير التنظيم، وذلك نظراً لاختلاف طبيعة وأهداف التنظيمين وظروف وبيئة عملهما ولأن السنوار كذلك ليس القائد المؤسس للتنظيم كما كان ابن لادن، الذي كان المؤسس والممول لتنظيم "القاعدة"، فيما يعد السنوار حلقة من سلسلة قادة اغتالتهم دولة إسرائيل ولم يتسبب غيابهم في تفكك حركة "حماس الإرهابية"، والمغزى إذاً مصير حركة حماس الإرهابية يبدو مرهوناً على الأرجح ـ برأيي ـ بعاملين مهمين هما سيناريو نهاية العمليات القتالية والخسائر الفعلية للحركة على أرض الواقع بشرياً ومادياً، فضلاً عن طبيعة إدارة مرحلة مابعد الحرب ومدى توافر البديل الفعلي القادر على أن يملء الفراغ الناشىء عن غياب "حماس الإرهابية " في حكم القطاع ويوفر لسكان القطاع أو من يتبقى منهم، الأمن والانضباط وشؤون الحياة اليومية بكفاءة تفوق ما كانت تقوم به الحركة، ما يدفع لانكفائها وربما تفجير خلافاتها الداخلية المؤجلة او المجمدة بفعل استمرار الصراع العسكري.