لا شك أن كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بشأن مستقبل الدول العربية ودور الشباب في هذا المستقبل إنما تشخص إحدى أهم معضلات التنمية والانعتاق من حالة التراجع الحضاري والتدهور الاقتصادي التي تعيشها الكثير من الدول العربية.
عندما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أن "الحاكم إذا خاف من شعبه فلابد أن يخاف الشعب على مستقبل بلاده" فهو يضع معياراً مهماً للغاية لقياس طبيعة العلاقة بين القادة والشعوب، فغياب الثقة بين الحاكم وشعبه يؤدي حتماً إلى بناء جدار عال من الخوف والقلق، فالحاكم الذي يخشى غضب شعبه أو ردة فعله حيال الأوضاع المعيشية السيئة والظروف الاقتصادية والمعيشية المتدهورة والفساد المستشري في البلاد، والشعب الذي يتمنى غياب قائده عن الساحة لأي سبب كان، يعكسان علاقة غير صحية لا يمكن لها أن توفر المناح الملائم لبناء الدول وتحقيق تطلعات الشعوب، بل هي بمنزلة قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في أي سواء لأسباب داخلية أو تدخلات خارجية توظف الغضب الكامن وتعمل على توجيهها والاستفادة منه في تحقيق مصالحها وأهدافها الاستراتيجية.
كان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم صريحاً وواضحاً للغاية حين أشار إلى أن "حياة الملايين من الشباب العربي تتعثر وآمالهم تتبخر بسبب حاكم يخشى النوم بين شعبه"، لافتاً انتباه الجميع في إطار نقاش لا يستلزم سوى الصدق والمكاشفة والمصارحة، إلى حدود مسؤولية الحاكم مستشهداً بموقف من مواقف الخليفة العادل الفاروق عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، الذي كان يخشى أن تتعثر بغلة في الطريق فيُسأل عنها يوم القيامة، في إشارة مهمة لمسؤولية الحاكم عن تعثر حياة وتبخر آمال ملايين الشباب في دول عربية عدة، بسبب اخفاق سياسات التنمية وفشل الإدارة في مناطق كثيرة في عالمنا العربي.
قد يقول قائل أن التنمية تحتاج إلى موارد هائلة، وأن التقدم والتطور مرهون بتوافر الموارد الاقتصادية الكافية لتحقيق ذلك، وهنا يمكنني فقد الإشارة إلى أن بعض الدول العربية التي تعاني صراعات وأزمات داخلية حادة هي من الدول التي تمتلك موارد طبيعية كبيرة، من النفط والغاز فضلاً عن الموارد والكفاءات البشرية المتوافرة في هذه الدول، وبالتالي فإن المسألة لا علاقة لها بالغنى والفقر المادي بقدر ما تمتلك صلة وثيقة بكفاءة الإدارة ورشادة الحكم والشفافية وترسيخ دولة القانون والعدالة وحقوق الانسان، وجدية الدول والحكومات العربية في مكافحة الفساد وحوكمة السياسات ورفع كفاءة الأداء الحكومي.
عندما يكون نحو 60% من سكان المنطقة العربية من الشباب، فإن علينا جميعاً أن نكون حذرين للغاية في مواجهة هذه الإحصاءات، فالشباب طاقة هائلة يمكن توظيفها لتحقيق التقدم، وفي حال غياب خطط لذلك تبدو فرص المتآمرين والطامعين سهلة في استقطاب الشباب وتوجيه طاقاتهم محو أهداف مضرة لدولهم.
لاشك أيضاً أن كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد تمثل جرس انذار لكل القادة والمسؤولين في منطقتنا العربية، فمن الضروري الاستماع إلى صوت الشباب والتواصل معهم والعمل على انخراطهم في تحمل مسؤولية العمل الوطني. وقد انتبهت دولة الامارات منذ سنوات طيلة مضت إلى أهمية تمكين الشباب والاستفادة من طاقاتهم، فهناك وزيرة دولة لشؤون الشباب تم تعيينها في عمر 22 سنة لتصبح أصغر وزيرة في العالم، وأنشأت مجلس الامارات للشباب والمؤسسة الاتحادية للشباب وبات ظهور الشباب في صدارة المشهد الاماراتي مسألة واضحة، وتمثل أحد ركائز التنمية وتميز النموذج الاماراتي.
ويدرك الباحثون والمتخصصون أن استطلاع "بي سي دبليو" السنوي الذي يقيس رأي الشباب العربي تجاه قضايا وموضوعات وثوابت ومتغيرات عدة، قد أشار مرات عدة في نتائجه السنوية أن الامارات هي الدولة المفضلة التي يطمح الشباب العربي للعيش فيها ويريد لبلدانه الاقتداء بها والمضي على نهجها في تطوير الحاضر واستشراف المستقبل والتقدم الهائل في مؤشرات التنافسية العالمية في مجالات عدة.
يقول 44% من الشباب العربي في استطلاع 2019 أنهم يفضلون العيش في دولة الامارات، وهي نسبة تزيد على ضعف عدد الشباب الذين اختاروا الامارات دولة مثلى لهم في عام 2012، وهذا يعني الكثير من الدلالات أولها فشل جميع الحملات الإعلامية المغرضة التي يقف ورائها تنظيم الإخوان الإرهابي والقنوات الممولة من النظام القطري، في تشويه سمعة الامارات ومكانتها ليثبت الشباب العربي أنه واع بأهداف هذه الحملات المغرضة، التي ربما أسهمت ـ عن غير قصد ـ في زيادة وعي الشباب العربي بما حققته الامارات من نجاحات تنموية هائلة، لتصبح حلماً للعرب وقدوة لهم، وهذا الأمر يحمل قيادتنا الرشيدة مسؤولية قومية كبيرة في الدفاع عن أحلام الشباب العربي والعمل على توفير أسباب ومقومات العيش الكريم لهم من خلال دعم قدرات دولهم وانتشالها من الأزمات وصولاً لمراعاة تطلعات شباب هذه الدول والاستفادة من طاقاتهم البشرية الجبارة بدلاً من تركهم فريسة لاستقطاب تنظيمات الإرهاب أو أصحاب الأجندات الممولة من أنظمة لا تكن سوى الشر للإمارات وبقية الدول والشعوب الخليجية والعربية.
الحديث عن ضرورة الانتباه إلى صوت الشباب والاصغاء لهم والعمل على تحقيق تطلعاتهم مسألة مهمة لارتباطها بالأمن والاستقرار في عالمنا العربي، والضمان الأساسي لذلك هو تحسين جودة الحياة والعمل على تحقيق تطلعات الشباب وفتح نوافذ الأمل في غد أفضل لهم، ولذلك أبواب ومداخل مهمة في مقدمتها التعليم، ونرى أن اهتمام الامارات بالتعليم والتركيز على تطوير مهارات الشباب وإعدادهم بالشكل اللائق لتمكينهم من امتلاك أدوات ومهارات المنافسة لشغل وظائف المستقبل، يمثل نقطة مهمة فيما تحظى به الدولة من تقدير واحترام من جانب الشباب العربي، الذي حدد عوامل اعجابه بالإمارات بأنها "توفر مجموعة واسعة من فرص العمل" وأنها تتميز بالسلامة والأمن، وثالثاً لأن سوق العمل بها يوفر رواتب مجزية ووظائف لائقة، وكلها أمور مرتبطة بالتخطيط الاقتصادي والتنموي، فالشباب العربي يضع الوظائف والأمن والتعليم الجيد وتوافر المساءلة والمحاسبة في القطاعات الحكومية ضمن أولويات اهتمامه إلى جانب رفضه للإرهاب والتطرف والفساد، وجميعها مسائل تحتاج إلى جودة وجدية التخطيط والتنفيذ أكثر من حاجتها للمال والثروة وتوافر الموارد.