الخطاب السياسي الايراني تجاه الجزر الاماراتية الثلاث المحتلة (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى) سيناريو متكرر لا ينطوي على أي جديد، ويكتفي بالتمترس وراء موقف جامد لا يمكن أن يقود إلى أي حلحلة ايجابية في هذه القضية!
مؤخراً، كرر مندوب إيران لدى الأمم المتحدة مجيد تخت روانجي خلال اجتماع اللجنة الرابعة للجمعية العامة الأممية تعليقاً على حديث مندوبي دولة الامارات ومملكة البحرين عن قضية الجزر الاماراتية الثلاث التي تحتلها إيران، كرر موقف نظام الملالي القائم الذي يتمثل في "عدم الاعتراف" بما يزعم أنه "خلاف" بين الامارات وإيران!
اختزال قضية احتلال أراضي دولة مجاورة وحصره في مفهوم "الخلاف" يمثل أسوأ أنواع الاحتلال لأن سلوك المحتل في هذه الحالة يتجاوز انتهاك سيادة دولة أخرى واحتلال جزء من ترابها الوطني وينتقل إلى إنكار جريمته واعتبارها مجرد "خلاف"، في محاولة لإعادة تعريف الأزمة ووضعها في إطار مفاهيمي مغاير كنوع من الخداع وتزييف حقائق التاريخ.
يدرك نظام الملالي أن قضية الجزر الاماراتية الثلاث هي قضية وطنية إماراتية تتصدر أولويات السياسة الخارجية للدولة، ويدرك كذلك أن القضية تسكن أعماق الوعي الجمعي الوطني الاماراتي ومن السذاجة الاعتقاد بأن حالة الانكار والتزييف التي يحاول الملالي ترسيخها ربما تدفع القضية إلى دهاليز النسيان. قضايا الاحتلال لا تسقط بالتقادم ولا تضيع وسط انشغالات الشعوب ولاتطغى عليها قضايا وطنية أخرى مهما بلغت أهميتها، وهذه إحدى حقائق التاريخ وتجارب الماضي القريب والبعيد.
نظام الملالي الايراني لا يكف عن ترديد حديثه الزائف عن حسن الجوار والرغبة في التعاون الاقليمي، ولكن سلوكه على أرض الواقع يخالف هذا الحديث ويناقضه تماماً، فمنذ قيام ثورة الخميني عام 1979، لم يتحرك هذا النظام قيد أنملة باتجاه التجاوب مع جهود دولة الامارات ومساعيها الرامية إلى التوصل إلى حل سلمي لهذه القضية، في إطار خيارات عدة طرحتها الامارات، ولا تزال، سواء عبر الحوار المباشر أو التحكيم الدولي.
يقول الملالي في مواقفهم المتكررة أن "الجزر الايرانية الثلاث جزء لا يتجزأ من أراضي الجمهورية الاسلامية الايرانية، وعليه فإن كافة المزاعم التي تتعارض مع هذه الحقيقة مرفوضة جملة وتفصيلاً"، والموقف السياسي الاماراتي الهادىء الذي يتعاطى مع هذه القضية بعقلانية وحكمة شديدة يدعوهم بكل هدوء إلى تقديم البراهين والأدلة على مزاعمهم بشأن السيادة على الجزر الثلاث إلى هيئة تحكيم دولية للبت فيها بشكل نهائي، وهذه هي أفضل صيغ حل النزاعات بطريقة حضارية، ولكن الغطرسة التي تطغى على موقف الملالي تنأى بهم عن التفكير في هذه الطروحات لأنهم ببساطة لا يمتلكون أي أسانيد قانونية أو وثائق تاريخية يمكن أن تدعم موقفهم التحكيم الدولي.
الجديد في الموقف الايراني الأخير بالأمم المتحدة أنه اعتبر مطالبة دولة الامارات بحقها في السيادة على الجزر الثلاث المحتلة "اعتداء لا أساس له ويشكل تدخلاً في الشؤون الايرانية وانتهاكاً لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والذي ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة"، وهذه بحد ذاتها إحدى مفارقات هذه القضية، فالملالي يتصورون أن مثل هذه الحيل والألآعيب يمكن أن تنطلي على المجتمع الدولي، وأن العالم الذي يتابع يومياً تدخلات الملالي في شؤون دول الجوار، يمكن أن يصدق أن الامارات يمكن أن تكون "طرف معتدي" أو أنها تتدخل في الشأن الداخلي الإيراني!.
العالم أجمع يعرف مجريات وتطورات الأحداث في منطقتنا، ويدرك كذلك أن نظام الملالي هو الفاعل الأخطر في الفوضى والاضطرابات التي تعم الشرق الأوسط، والأهم من ذلك أن الملالي يثقون تماماً أن تصوراتهم الزائفة للأحداث والقضايا لا تنطلي على أحد، ولكنهم لا يكفون عن ترديدها والترويج لها، حيث استمرؤوا لعبة الخداع والمخاتلة وهدر الوقت سواء في هذه القضية أو غيرها من الأزمات التي تسببوا فيها مع المجتمع الدولي.
الجديد أيضاً في الخطاب السياسي الذي تعتمده حكومة ابراهيم رئيسي هو التبجح الذي بلغ حد مطالبة المندوب الايراني دولة الامارات بـ"التزام معايير حسن الجوار واحترام القانون الدولي"، في خلط واضح للأوراق وتعمد لعب دور لا ينطلي على أحد، ولسوء حظ هذا المندوب أن العالم أجمع يعرف أن الامارات التي تلعب دوراً رئيسياً في تحقيق التنمية والأمن والاستقرار والبحث عن السلام في الشرق الأوسط، ويعرف كذلك دور نظام الملالي في نشر الفوضى وإشاعة حالة من الارباك والاضطراب التي تبدأ من أذرع الميلشياوية وتنتهي بمحاولات الحصول على أسلحة نووية تهدد الأمن والسلم العالميين.