رغم أن الرئيس الأمريكي جو بايدن قد تحدث عن موعد دقيق لاتمام صفقة الافراج عن الأسرى ووقف إطلاق النار، فإن التطورات لم تسفر عن شىء، في حين توقفت محادثات القاهرة بين الوسطاء القطريين والمصريين وممثلي حركة "حماس" الإرهابية من دون التوصل إلى نتائج، وهو ما يشير إلى أن الجهود التفاوضية الكبيرة التي بذلت بين القاهرة وباريس والدوحة لوقف الحرب خلال شهر رمضان لم تسفر عن شىء يذكر، وهذا بحد ذاته أمر مخيب للآمال.
لا أفق واضح إذن لوقف الحرب في قطاع غزة، هذه خلاصة المشهد الدائر في هذا الصراع، بل يرجح أن تتجه الأزمة إلى المزيد من التعقيد وليس لانفراج وشيك كما أوحى تصريح الرئيس بايدن، حيث ذكرت تقارير إسرائيلية أن مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يخطط للبقاء في قطاع غزة لحوالي عشر سنوات، وأن المرحلة الأولى من الحرب والتي تشمل القضاء على حركة حماس الإرهابية سوف تستغرق سنة أو سنتين بالإضافة لثماني سنوات أخرى حتى تستقر حكومة بديلة، وبغض النظر عن طول المدد الزمنية المشار إليها في هذا التقارير، فإن بقية الخطط المطروحة للنقاش لم تتضمن آجالاً زمنية واضحة ولا برامج تنفيذية دقيقة لتحقيق أهدافها المعلنة لليوم التالي.
الشواهد تقول أن نهاية التوترات في قطاع غزة ومن ثم بقية أرجاء الشرق الأوسط لا تلوح في الأفق، لأسباب وأمور عدة أولها أن إسرائيل لن تقبل بوقف نهائي للقتال في ظل عدم تحقق الهدف الرئيس للحرب وهو القضاء على حركة "حماس" الإرهابية والذي تشير التقديرات الاستخبارية الأمريكية إلى صعوبة تحققه أو حتى الاقتراب من تحقيقه، فضلاً عن استمرار التهديد المرتبط بـ "حزب الله" اللبناني في شمال إسرائيل، وكذلك تهديدات ميلشيات "الحوثي" الإرهابية في اليمن، وجميعها تهديدات إرهابية قائمة وتمثل درجات متفاوتة من الخطر الذي يحتاج تحييدها إلى عمليات عسكرية لن توافق عليها الولايات المتحدة على الأرجح بسبب اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والخشية من اتساع دائرة الصراع الاقليمي بما يورط القوات الأمريكية في حرب شرق أوسطية سعت طيلة الأشهر الماضية إلى تجنبها.
حركة "حماس" الإرهابية من جانبها رغم حديثها عن إبداء مرونة تفاوضية، فإن الخط الأحمر غير المعلن لديها هو التوقيع على صفقة يتم بموجبها الافراج عن جميع الأسرى مقابل هدنة مؤقتة تطول أو تقصر ثم تستأنف الحرب لملاحقة الحركة وقادتها في رفح وغيرها من أراضي قطاع غزة، لذا تركز الحركة على شرطين أساسيين، وهما وقف تام لاطلاق النار بضمانات أمريكية وعربية، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع، وهو أمر بداهة ترفضه حكومة نتنياهو قطعياً، حيث يبدو التقاطع واضحاً بين موقفي الطرفين بما يجعل من رأب هذه الفجوة مسألة تفوق القدرات التفاوضية للوسطاء، وتتطلب تنازلات كبرى من أحد طرفي الصراع أو كلاهما معاً، سواء بفعل ضغوط خارجية قوية أو لأي سبب آخر.
هناك إشكالية ربما يم تؤخذ بالاعتبار حتى الآن وهي تتعلق بالرهائن أنفسهم، أهم ورقة تفاوضية لدى حركة "حماس" الإرهابية، حيث أكد العضو القيادي فيها "باسم نعيم"، أن حركته "لا تعرف من هو بالضبط حي ومن هو ميت سواء قتلوا بسبب القصف أو بسبب المجاعة"، لأن "هناك أسرى لدى مجموعات وأماكن متعددة"، ورغم أن هذا التصريح قد يبدو خبيثاً ومراوغاً، ولا يُعرف مغزاه الحقيقي، وقد يبدو كذلك مناورة سياسية لتعظيم الضغوط على أهالي الأسرى وحكومة نتنياهو والجانب الأمريكي على حد سواء للإسراع بانهاء القتال، فإن تحليل الواقع يشير إلى أن هذا التصريح ربما ينطوي على تمهيد قوي وواضح للقبول بمضمونه بمعنى أن "حماس" الإرهابية لديها معلومات مؤكدة حول مقتل جميع أو معظم الأسرى في عمليات عسكرية بقطاع غزة، وتسعى لتهيئة الأجواء للقبول بالأمر الواقع والتمهيد له عبر مثل هذه التصريحات/ التسريبات من مسؤولين ليسوا من الصف القيادي الأول للحركة الإرهابية ولا تؤخذ تصريحاتهم على مجمل الجد كثيراً. وفي جميع الأحوال فإن من شبه المؤكد أن الحركة الإرهابية قد فقدت السيطرة معلوماتياً على تحركات الرهائن المخطوفين وظروفهم الحياتية بسبب ضغط العمليات العسكرية وكثرة تنقل الرهائن من مكان لمكان بما يجعل من الصعب تبادل المعلومات بشأنهم في ظل ظروف التهرب من الرقابة على الاتصالات وصعوبات نقل المعلومات ولو بشكل بدائي ناهيك عن احتمالية عدم القدرة على توفير الغذاء والأدوية وطول مدة الاحتجاز بشكل يفوق التوقعات وغير ذلك من عقبات لوجستية وميدانية.
السؤال الأخطر في ضوء ماسبق هو: ماذا لو تاكدت إسرائيل من فقدان أثر الرهائن بالفعل؟ وهل تدرك حماس الإرهابية خطورة ما يتم تسريبه في هذا الشأن؟ في الجواب على ذلك يمكن القول أن الحكومة الإسرائيلية تُقدر أن حماس الإرهابية تناور على الأرجح بمعلومة الرهائن، وتوظفها في الضغط عليها، ولكنها في الوقت ذاته لا تستطيع التيقن من هذه المعلومة، التي لو ثبتت فعلياً ستغير حسابات إسرائيل تماماً، وربما تدفعها إلى حرب أكثر شراسة وضراوة وأشد عنفاً لمحاولة احتواء غضب أهالى الأسرى وتخفيف وطأة الأمر على الداخل الإسرائيلي الذي سيشعر بصدمة كبيرة جراء فقدان العدد المتبقي من الأسرى.
السيناريو الأخطر أن تتعامل إسرائيل بجدية ـ لافرق هنا ـ مع تسريبات حماس الإرهابية وأن تتجه لتنفيذ خطة اجتياح رفح والتضحية ببقية الأسرى ومواصلة القتال واجتياح بقية القطاع بدعوى أنهم لم يعودوا موجودين من الأصل باعتراف حماس الإرهابية نفسها، وهو سيناريو وارد في حال فشل جميع الجهود التفاوضية وظلت حركة حماس الإرهابية على شروطها، ووقتها قد لا يكون هناك موقف أمريكي يدفع باتجاه التفاوض، بل قد تحصل إسرائيل على ضوء أخضر أمريكي لاستخدام المزيد من القوة العسكرية من أجل القضاء على قادة الحركة الإرهابية وعناصرها، بعد فقدان ورقة الضغط الأهم والأوحد لديها وهي الرهائن.
مصير الرهائن قنبلة موقوتة قد تنفجر بوجه جميع أطراف الأزمة في أي وقت، وقد تتحول إلى غطاء جديد لمستوى أشد عنفاً في هذه الحرب، وفي جميع الأحوال فإن الأزمة قد تحولت إلى مأساة للكثير من الأطراف، لاسيما المدنيين الفلسطينيين، وأهالي الأسرى، ومأساة من نوع كارثي لطرفي المواجهة، الحكومة الإسرائيلية وحركة حماس الإرهابية، حيث لم يعد أمام أي منهما مخرج سوى بإزاحة الآخر تماماً عن المشهد.