تتسم التجربة التنموية في دولة الإمارات بشكل عام بخصائص وسمات مميزة، في مقدمتها الإستمرارية والتطور، وهما سمتان يضمنان لأي تجربة مراكمة الخبرات والتوسع وتحقيق الأهداف الطموحة التي تنطلق منها وتستهدفها هذه التجربة.
ومن بين التجارب المثالية في مسيرة الإمارات التنموية، تأتي إنتخابات المجلس الوطني الاتحادي، والتي يجري الإستعداد لإجراء الدورة الخامسة منها في الوقت الراهن، وهي الدورة الأولى التي تجرى في عهد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله، حيث أعلنت اللجنة الوطنية للإنتخابات مؤخراً، الجدول الزمني لإجراءات العملية الإنتخابية، التي ستختتم بالاقتراع المباشر في السابع من أكتوبر المقبل.
وقد شهدت قوائم الدورة الإنتخابية الأولى، التي ستجرى في عهد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ زيادة بنسبة حوالي 18% على القوائم الإنتخابية، مقارنة بالقوائم التي أجريت على أساسها إنتخابات عام 2019، كما تميزت قوائم هذه الدورة بسمات لها دلالات نوعية مهمة للغاية اولها الحضور المميز للمرأة الإماراتية، التي حظيت بنسبة تصل إلى 51% من إجمالي عدد اعضاء القوائم مقابل نسبة 49% للناخبين من الذكور، وهي نسبة قياسية تاريخية تشهد بتقدير واحترام حق المرأة وترسيخ مكانتها في عهد سموه، وثانيها التركيز الواضح على الشباب وترسيخ قواعد تمكينهم في المجتمع الإماراتي، حيث يشكل الشباب من الفئة العمرية 21 عاماً ولغاية 40 عاماً نسبة 55% من إجمالي قوائم الهيئات الإنتخابية، أي أكثر من نصف أعضاء القوائم، في حين يشكل الشباب من عمر 21 عاماً إلى 30 عاماً نسبة 29.89% من إجمالي أعضاء القوائم، وهي في مجملها احصاءات ومؤشرات لافتة تعكس السمات العمرية للمجتمع بشكل عام، وتؤكد ثقة القيادة الرشيدة في الإعتماد على فكر شريحة الشباب في تشكيل المجلس الوطني الاتحادي، الذي يمثل قاعدة الشورى في دولة الإمارات.
ولاشك أن مواصلة عملية التمكين السياسي، تعكس الفكر المؤسسي الذي يمثل محور التخطيط والتنفيذ في دولة الإمارات، ومنطلقاً مهماً للعملية التنموية في القطاعات كافة، حيث تتراكم الخبرات النوعية من الدورات الإنتخابية السابقة، وتشهد الدورة الخامسة إضافة نظام التصويت عن بٌعد، لاتاحة الفرصة للناخبين للتصويت من أي مكان سواء داخل الدولة او خارجها من خلال التطبيقات الرقمية المعتمدة من اللجنة الوطنية للانتخابات، وهي ميزة مهمة تضمن توسيع دائرة المشاركة وتتيح لجميع أعضاء القوائم الانتخابية فرصة ممارسة حقهم الانتخابي بما يضمن تكوين مجلس نيابي يعبر عن القاعدة العريضة من الشعب الإماراتي.
بلاشك أن العملية التشاركية القائمة على نهج الشورى هي أحد أسس العمل والبناء في دولة الإمارات منذ تأسيس دولة الاتحاد على يد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وقد حقق هذا النهج تقدماً ملموساً في مسيرة التنمية السياسية بالدولة، ولاسيما على صعيد تمكين وتعزيز دور المجلس الوطني الإتحادي، بما يعبر عن خصوصية المجتمع والتجربة التنموية الإماراتية بأكملها، الأمر الذي يسهم في تعزيز حصانة المجتمع في مواجهة التحديات الخارجية، ويلعب دوراً فاعلاً في التعامل بشكل جيد مع تداعيات الأزمات التي باتت جزءاً من البيئة الدولية التي نعيش فيها.
قناعتي، كباحث متخصص، أن نهج الشورى الإماراتي يمثل نموذجاً ناجحاً للأداء البرلماني الذي يصاغ في إطار الخصوصيات الثقافية والحضارية للمجتمعات، وبما يضمن تحقق الأهداف المرجوة، وفي مقدمتها تكريس مبادئ سيادة القانون، وقيم المساءلة، والشفافية، وتكافؤ الفرص، ويعزز فرص توسيع قاعدة المشاركة والإسهام المجتمعي في عملية صنع القرار، ويرفد مؤسسات الدولة بالخبرات اللازمة، وقناعتي أيضاً أن تدرج نهج الشورى على مستوى التنفيذ والتطبيق الفعلي قد أسهم في الإنتقال من الآليات التقليدية إلى الممارسات المؤسسية الحديثة، من خلال أطر تتماشى مع القيم المجتمعية السائدة، وتتسق في الوقت ذاته مع المعايير البرلمانية المعاصرة، حيث جرى تفعيل دور المجلس الوطني الاتحادي وتمكينه ليكون سلطة مساندة، ومرشدة، وداعمة للمؤسسة التنفيذية، وبات أكثر فاعلية فاعلية، والتصاقاً بقضايا الوطن.
لذا، فإن التجربة الإنتخابية الخامسة ستكون إضافة نوعية مميزة للممارسات الانتخابية البرلمانية في دولة الإمارات، حيث يتواصل نهج التدرج الذي بدأ في إنتخابات 2006 واستمر عبر دورات انتخابية جرت في 2011 و2015 و2019، وكان هذا النموذج ملهماً على الصعيد الإقليمي في أمور عدة منها ولاسيما فيما يتعلق بتمكين المرأة بشكل كامل، حيث تعتبر المشاركة السياسية أحد محفزات جذب الأجيال الجديدة للإسهام بقوة في العمل والإنتاج وتحمل مسؤولية العمل الوطني في شتى القطاعات التنموية، فضلاً عن تحصين المجتمع الإماراتي ضد أي أفكار تحريضية متطرفة تسعى للنيل من إستقرار المجتمع، أو استهداف مقومات نجاح تجربته التنموية الطموحة.