في زيارة تنطوي على أبعاد ودلالات وتفتح الباب أمام تحولات عربية مهمة، إستقبلت دولة الإمارات مؤخراً، الرئيس السوري بشار الأسد، حيث حظي بترحيب من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ معلناً في تغريدة على موقع "تويتر" عن إجراء "مباحثات ايجابية وبناء لدعم العلاقات الأخوية وتنميتها لمصلحة البلدين والشعبين الشقيقين"، ونقل عن سموه قوله "إن أشقائكم في دولة الإمارات يقفون معكم قلباً وقالباً، وإن غياب سوريا عن أشقائها قد طال وحان الوقت لعودتها إليهم وإلى محيطها العربي". هذه الزيارة تنطوي على أبعاد ودلالات مهمة، أهمها أنها تمثل إستكمالاً لدور الإمارات في دعم سوريا وشعبها، حيث تسعى القيادة الإماراتية الرشيدة منذ فترة إلى عودة سوريا إلى حاضنتها العربية إدراكاً لأهمية هذه الخطوة في تسريع عملية إعادة بناء سوريا وتسوية الأزمة التي طالت وتحولت إلى آحد الملفات المنسية عالمياًن ولاسيما بعد إنشغال القوى الكبرى بحرب أوكرانيا.
ملف سوريا أحد أبرز وأهم الشواغل العربية إستراتيجيا بالنظر إلى أهمية سوريا الإستراتيجية، فضلاً عن تفاقم الأزمة التي حولت الملايين من أبناء الشعب السوري الشقيق إلى لاجئين في دول أخرى عدة أبرزها تركيا، ولهذا تبدو سوريا بحاجة ماسة إلى دعم أشقائها العرب، وإلى تكاتف جهود الجميع من أجل دفع جهود تسوية الأزمة السورية من مختلف جوانبها، الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والانسانية، ولاسيما بعد كارثة الزلزال الذي ضاعف معاناة الشعب السوري وأكد أهمية التضامن مع سوريا في هذه المحنة الانسانية.
زيارة الرئيس بشار الأسد للإمارات، وهي الثانية له منذ بدء الأزمة في بلاده عام 2011، تعكس عمق وخصوصية الموقف الإماراتي تجاه سوريا منذ عام 2018، مروراً بأزمة كورونا والزيارات المتكررة التي قام بها سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي إلى سوريا، حيث انطوت حفاوة الترحيب الرسمي الإماراتي بالرئيس السوري في زيارته الثانية على دلالات تستحق التوقف عندها كثيراً، حيث جاء الترحيب رسمياً ولافتاً يليق بسوريا البلد العربي العريق العائد إلى حضن أشقائه العرب، كما انطوى كذلك على رسالة ضمنية تشير إلى بداية مرحلة جديدة في العلاقات العربية ـ السورية، وإلى رغبة رسمية إماراتية مؤكدة في إحداث إختراق نوعي على مستوى الموقف العربي الجماعي تجاه سوريا، وحلحلة الأزمة السورية نفسها في ظل علاقات الإمارات القوية مع جميع أطراف الأزمة إقليمياً ودولياً، ولاسيما أن الزيارة قد ترافقت مع مؤشرات عدة على إنفتاح عربي على عودة سوريا وانهاء عزلتها، حيث حدث انفراج في العلاقات بين دمشق والرياض، وقبل ذلك بنحو شهر كان الرئيس الأسد قد زار سلطنة عمان.
المؤكد أن هناك شبه إجماع عربي رسمي على ضرورة الإنفتاح على سوريا، وان الوضع الراهن المستمر منذ عام 2011 يصعب أن يستمر، ليس فقط في ظل الحاجة الملّحة إلى دعم ومساندة الشعب السوري وتهيئة الظروف لعودة ملايين اللاجئين إلى بلدهم، ولكن أيضاً لأن هناك إنفراج في مجمل العلاقات الإقليمية، بما يصعب معه الإبقاء على وضع دولة عربية محورية كسوريا بمعزل عما يدور إقليمياً.
هناك، في المقابل، حاجة سورية أكثر إلحاحاً لدعم عربي يقوي الموقف السوري في أي جهود تستهدف تسوية الأزمة التي تشهدها البلاد منذ عام 2011، ولاشك أن حالة الانفراج التي تشهدها العلاقات العربية مع القوتين الإقليميتين الأكثر ارتباطاً بالشأن السوري، تركيا وإيران، يمكن أن تسهم في تسريع وتيرة التوصل إلى حلول تحفظ لسوريا أمنها واستقرارها وسيادتها ووحدة أراضيها، وفي هذا الإطار تتردد مقترحات عربية عدة بحثاً عن حلول للأزمة، بجانب أن هناك جهود فردية مهمة تبذلها دولة الإمارات لمساندة سوريا في أزمتها، لاسيما أن الأزمة في هذا البلد العربي قد تعمقت لدرجة يصعب معها توقع التوصل إلى حلول سريعة سواء بسبب تشابك المصالح وتعدد الأطراف الإقليمية والدولية، فضلاً عن التعقيدات المرتبطة بالواقع الميداني على الأرض ووجود مليشيات يحتاج التعامل معها وانهاء دورها لمصلحة إستعادة دور الدولة السورية، جهوداً كبيرة للغاية.
الحقيقة أن هناك من التعقيدات ما يجعل الحديث عن إنفراج تام للأزمة السورية في وقت قريب مسألة صعبة، ولكن الجهود التي تبذلها دولة الإمارات تدفع باتجاه تسريع وتيرة البحث عن حلول، إقتناعاً من الإمارات بضرورة تضافر الجهود جميعها من أجل نزع فتيل التوترات وتحقيق الأمن والإستقرار إقليمياً