في مارس الماضي قام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بزيارة إلى المملكة المغربية الشقيقة، ومنذ أيام قلائل حل صاحب الجلالة الملك محمد السادس عاهل المملكة المغربية الشقيقة ضيفا عزيزا على دولة الامارات العربية المتحدة، في وتيرة متقاربة للزيارات المتبادلة، تعكس في مضمونها وأبعادها وأهدافها كافة عمق العلاقات الأخوية التي تربط القيادتين والشعبين الشقيقين.
من يزور كل من دولة الامارات العربية المتحدة والمملكة المغربية يدرك بوضوح عمق العلاقات الشعبية قبل الرسمية التي تربط البلدين، وهي علاقات تاريخية ضاربة في عمق الماضي وليست طارئة ولا عابرة، ولكنها تمتلك جذورا قوية وروابط وثيقة تضيف إليها مزيدا من العمق والثبات بمرور الأيام. وعندما أزور المملكة المغربية الشقيقة، تدور في مخيلتي أفكار عديدة حول ارتباطي والكثيرين من أهل الامارات بالشعب المغربي الشقيق، وارتباط الأخوة والأشقاء المغاربة بدولة الامارات العربية المتحدة وشعبها ومواطنيها، وكيف أن الجغرافيا لا تفلح في كثير من الأحيان في ترك بصماتها على علاقات الأشقاء، وأن التباعد في المسافات ليس كفيلا بتباعد المشاعر ولا يعني بالضرورة غيابا للتواصل الانساني العميق، لاسيما ونحن في عصر تنهار فيه المسافات ويتراجع فيه تأثير الزمن، في عالم لم يعد قرية كونية صغيرة فقط بل تحول إلى كيان جغرافي ميكروسكوبي أو مجهري في مواجهة هذا التطور المذهل في الاتصالات ووسائل الانتقال والسفر والطيران.
الزيارة الأخيرة التي قام بها ملك المملكة المغربية الشقيقة إلى دولة الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية لم تكن زيارة عادية بكل المقاييس، فقد جاءت في توقيت بالغ الحيوية والأهمية في ضوء مايشهده العالم العربي والإسلامي من متغيرات وما يموج به من تحولات تعصف بالعديد من دوله وتمزق الكثير من شعوبه، بل ووضعت بعض هذه الشعوب على قمة مؤشرات المعاناة الانسانية في العالم، حيث أصبحت مأساة اللاجئين السوريين الأصعب في التاريخ المعاصر، وبات الأمر بحاجة إلى مواقف حاسمة وقرارات رشيدة ينبغي أن تؤخذ من جانب قادة العالم العربي في هذه المرحلة التاريخية بالغة الحساسية والتعقيد.
المملكة المغربية الشقيقة من الدول ذات الثقل الاستراتيجي التي يعول عليها كثيرا في تحديد اتجاهات بوصلة العمل العربي والاسلامي المشترك، وقيادتها الرشيدة تمتلك موروثا هائلا من الرشادة والحكمة والوعي السياسي بما يجعل منها رقما مهما في أي نقاشات حول مستقبل المنطقة، ومايجب اتخاذه من خطوات وسياسات للتعاطي مع التحديات والتهديدات الاستراتيجية الراهنة.
من هنا تأتي أهمية المحادثات واللقاءات المستمرة التي تجريها القيادتان في دولة الامارات العربية المتحدة والمملكة المغربية الشقيقة، فالوضع في سوريا والعراق واليمن وليبيا وتحديات الارهاب وتنظيماته والاطماع التوسعية للقوى الاقليمية كلها ملفات تحتاج إلى تبادل الرأي والتشاور والتنسيق المشترك.
تدرك قيادتنا الرشيدة في دولة الامارات العربية المتحدة وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، أهمية الدور المغربي في توحيد الصف العربي ومحورية دور القيادة المغربية وعلى رأسها صاحب السمو الملك محمد السادس ملك المملكة المغربية الشقيقة في بلورة تصور عربي يحفظ للشعوب العربية أمنها واستقرارها ويصون مكتسباتها وسيادتها على اراضيها، ولذا فإن مثل هذه الزيارات تمثل انعكاس للادراك المتنامي بخطورة المرحلة وماتموج به من تطورات متسارعة لا تحتمل الانتظار أو التأجيل.
بين مشرق العرب ومغربهم هموم مشتركة وتحديات مصيرية ربما يخفف من غلوائها وخطورتها وجود قيادات رشيدة قادرة على التفاهم والتنسيق واستيعاب مصالح شعوبها والحفاظ على سيادة دولها، ولذا فإن المراقب او المتخصص يشعر بقدر نسبي من التفاؤل او الاطمئنان في ظل مؤشرات التعاون القوي بين عواصم صنع القرار العربي المهمة في المرحلة الراهنة، ونثق في أن حكمة القيادة المغربية تمثل ركنا أساسيا وركيزة حيوية لما يسعى إليه قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وما نصبو إليه جميعا في المرحلة الراهنة على صعيد مواجهة التحديات والتصدي لمصادر الخطر والتهديد التي تعصف بعشرات الملايين من العرب والمسلمين في مشرق العالم العربي ومغربه.
إن وجود الملك محمد السادس ملك المملكة المغربية في ضيافة دولة الامارات العربية المتحدة مؤخرا يمثل رسالة دعم قوية لجهود قيادتنا الرشيدة في الحفاظ على الأمن والاستقرار الاقليمي ومواجهة الفتن والمؤامرات المشتعلة في اليمن والعراق وسوريا وغيرها من الدول العربية، وقد لقيت هذه الرسالة صداها من جانب المراقبين والمتخصصين.