البغدادي يدعو المسلم أينما كان إلى حمل السلاح ثم نريد للعالم من حولنا أن يصدق أن الدين الاسلامي دين تسامح ووسطية، وأن المسلمين هم دعاة سلام!
بعد جدل كثير حول احتمالات مقتله في إحدى هجمات دول التحالف ضد تنظيم داعش في العراق، خرج أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش في تسجيل صوتي مؤخراً ليدعو المسلمين مجدداً إلى الهجرة إلى "أرض الخلافة" قاصداً بذلك المناطق الجغرافية التي يسيطر عليها التنظيم في سوريا والعراق!
بالتأكيد فإن هذه الدعوة ليست الأولى من نوعها التي تصدر عن البغدادي ولكن هذه الدعوة تضمن كلاماً خطيراً يعكس حجم الجهل والجهالة لدى هؤلاء الجهلاء الذين يدعون الحديث باسم الاسلام الحنيف.
الخطورة في دعوة البغدادي لهجرة المسلمين هو ما تضمنه كلامه من تزييف للحقائق حيث يقول "لم يكن الإسلام يوماً، ديناً يدعو للسلام، بل يدعو إلى القتال، وحربنا التي نخوضها ليست حرب تنظيم الدولة الإسلامية بل حرب جميع المسلمين التي يتولى قيادتها تنظيم الدولة الإسلامية"، مشيراً إلى أنها "حرب المسلمين ضد الكفار".
من قال لك يا بغدادي إن الاسلام ليس ديناً للسلام؟ ومن أوهمك أن الدين الاسلامي الحنيف يدعو إلى القتال؟ لن أجلب لك مئات بل آلاف الدلائل والبراهين من كتب الفقه الاسلامي على خطأ كلامك الذي تستحق عليه المحاكمة بتهمة الاساءة إلى الدين الاسلامي الحنيف، ولكني استغل كلامك لأذكر العلماء ورجال الدين وكل من يعنيه شأن ديننا الحنيف الذي يتعرض لهجمة هي الأشد في التاريخ لتشويهه وربطه بالارهاب والقتل ونبذ السلام والاستقرار.
لو أن أحد الجهلاء في الغرب قد تفوه بشيء من هذا القبيل لربما اندفع الآلاف في ساحات العواصم العربية والاسلامية تنديداً بما قال، وامتلأت الصحف ووسائل الاعلام العربية والاسلامية بمقالات تندد بما حدث وتدرس تأثيره على الأمن والاستقرار العالمي، ولكن عندما يقول البغدادي هذا الكلام الخطير لا نجد من يقرأه ولا نلحظ أن هذا الكلام قد حرك شيئاً ما داخل رجال الدين وعلمائه المشغولين بمعارك جانبية وقضايا ثانوية وبرامج تلفزيونية لا يشاهدها أحد وكل فائدتها تكمن في أنها مصدر للربح الوفير لا العلم الغزير!
البغدادي يعلنها من منابر بلاد الرافدين، أرض الحضارة والثقافة، أن الدين الاسلامي ليس دين سلام بل دين للقتل والذبح! ويدعو المسلمين من كل بلاد الأرض للهجرة إلى دولته بل ويقول: "ليس هناك أي سبب يمنع أي مسلم من عدم الهجرة إلى أرض الخلافة أو الإنضمام والقتال في صفوفه إذ يعد ذلك واجب كل مسلم"، مضيفاً "نحن ندعوكم إما الإنضمام إلينا أو حمل السلاح والقتال أينما كنتم".
البغدادي يدعو المسلم أينما كان إلى حمل السلاح ثم نريد للعالم من حولنا أن يصدق أن الدين الاسلامي دين تسامح ووسطية، وأن المسلمين هم دعاة سلام! إن الصمت على كلام البغدادي في غاية الخطورة لأن هناك من سيتلقف هذا الكلام ويردده ويعيد بثه عبر الانترنت ووسائل الاعلام للاساءة للاسلام بأصوات أتباعه ومؤيديه!
البغدادي ينفث في نار الفتنة العالمية ويريد إشعال صراعات هائلة، وهناك من يسعد بدعواته هذه من أصحاب نظريات صراع الحضارات ومروجي أفكار نهاية العالم بل إن افكاره هذه تلتقي وتصب في سلة الكثير من دعاة الحروب من الشيعة واليهود وكل من يؤمنون بفكرة اقتراب نهاية العالم.
منذ فترة ونحن نطالب بضرورة التحرك لبناء خطاب ديني حضاري متماسك ومقنع ويمتلك مقومات التصدي لخطاب داعش وأتباعه ونظرائه من جماعات الارهاب والتطرف، ولكن الملاحظ أن الحماس يفتر بعد وقت وجيز من الخطابة الرنانة والشعارات الحماسية حول التسامح والوسطية وغير ذلك.
الخطورة في حالة الركود هذه أن تأثيراتها لا تقتصر على ترك مساحات فراغ فكري لتمدد خطاب داعش المتطرف بل تكمن في صعوبة اجتثاث هذه الأفكار المتطرفة في مراحل لاحقة حال انتشارها بين الشباب والمراهقين، الذين يعجبون بنمط الترويج الاعلامي الذي يتبعه تنظيم داعش لاسيمافي دول الغرب وبين أبناء المهاجرين والأجيال الثانية والثالثة من المسلمين في هذه الدول.
لا شك أن داعش يراهن بشكل كبير على قوة الاعلام بل إن اكثر جوانب التنظيم قوة تتمثل في تفوقه الاعلامي وتميز اتباعه في استخدام التقنيات الاعلامية المتقدمة في الترويج والانتشار، ومن ثم يصبح الصمت على ما يحدث خطر بحث الأجيال المقبلة لا بحق الدين الاسلامي الحنيف فقط.