لابد أن تفهم الإدارة الأميركية أن إطلاق يد إيران في المنطقة لن يسفر سوى عن دمار وخراب إقليمي واسع النطاق، خصوصا في ظل لعب إيران ورقة الطائفية بشكل أكثر كثافة وعلانية.
ربما يتهمني أحدهم بمجرد مطالعة عنوان مقالي هذا بأنني متأثر بالمسلسلات التركية، ولكني – للأمانة – لم أكن يوما من بين مشاهدي هذه المسلسلات المملة، ولا من المعجبين بها، ومن ثم فمن الصعب أن انضم إلى المروجين لها، ولكن اللغة تبقى دائما وعاء المعاني، ولم أجد أفضل من تعبير “العشق الممنوع” في اختزال قصة الغرام السياسي غير المعلن على أراضي العراق.
القصة ببساطة أن موقع “بلومبيرج” الأميركي قد نشر، مؤخرا، تقريرا لافتا حول تقاسم الولايات المتحدة إحدى القواعد العسكرية مع القوات الإيرانية في العراق، وتحدث المقـال عن “عـلاقة ودية بشكل متزايد” تنمو في العراق بين القوات الأميركية والميليشيات الشيعية، التي يقودها ويشرف عليـها بطبيعة الحال قادة من الحرس الثوري الإيراني، رغم أن هذه الميليشيات تستخدم لتوسيع النفوذ الإيراني في العراق ودعم قوات الرئيس بشار الأسد في سوريا.
المقال يستند إلى تصريحات اثنين من كبار مسؤولي الإدارة الأميركية أكدا فيها أن الجنود والمستشارين العسكريين الأميركيين يستخدمون قاعدة عسكرية تقع في محافظة الأنبار العراقية وهي قاعدة تستخدمها أيضا الميليشيات الشيعية، وهي نفس القاعدة التي أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما مؤخرا عن إرسال 450 جنديا إضافيا إليها للمساعدة في تدريب القوات العراقية لمواجهة تنظيم “داعش”.
هذه القضية تثير جدلا داخل أوساط المراقبين الأميركيين، بالنظر إلى تورط الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في قتل جنود أميركيين بالعراق خلال سنوات سابقة، ومن ثم يصبح التعاون مع هذه الميليشيات مثار جدل واستغراب أميركي قبل أن يكون عربيا، لاسيما أن الخارجية الأميركية، ذاتها، قد انتقدت الدعم الإيراني للميليشيات العراقية وسلوك تلك الميليشيات في تقريرها السنوي حول الإرهاب في جميع أنحاء العالم للعام 2014، والذي صدر الأسبوع الماضي.
منطلق المخاوف والاستغراب الأميركي يختلف بالتأكيد عن وجهة النظر العربية، فالأميركيون يخشون انهيار التحالف الهش بين القوات الأميركية والميلشيات الشيعية، ومن ثم احتمالية تعرض جنود أميركيين للقتل جراء انكشافهم عسكريا على هذه الميليشيات، كما يرى خبراء أميركيون أن هذا التعاون يعتبر نوعا من الخيانة لدماء الجنود الأميركيين الذين قتلوا على يد عناصر من هذه الميلشيات قبل سنوات قلائل مضت.
وجهة نظري التحليلية الشخصية تنطلق من استغراب الموقف الأميركي الذي يزعم الحفاظ على وحدة أراضي العراق الترابية، وفي الوقت ذاته يساعد الميليشيات الشيعية، التي تعتبر التطهير المذهبي للمناطق السنية العراقية، التي تستعيدها من “داعش” هدفا أساسيا لعملياتها العسكرية.
صحيح أن القوات الأميركية لا تتعاون مع الميليشيات الشيعية بشكل مباشر في التدريب والتزويد العسكري الذي تقوم به إيران، ولكن هذه الميليشيات تحصل على دعم جوي أميركي مهم وتتزود بالمعلومات والخرائط الأرضية عن تحركات عناصر “داعش” من الجانب الأميركي، كما أن حجة عدم تزويد الميليشيات المعروفة بقوات التعبئة الشعبية بالسلاح الأميركي بشكل مباشر حجة مردود عليها بأن خطوط الفصل بين القوات العراقية الحكومية التي تحصل على السلاح الأميركي وهذه الميليشيات متداخلة بشكل واضح، ومن ثم يصبح وجود الأسلحة الأميركية بين أيدي الميليشيات الشيعية مسألة حتمية ولا شك فيها، كما أن التنسيق العسكري أمر لا غنى عنه في ميادين القتال، والقول بخلاف ذلك نوع من الخداع والمناورات الكلامية.
الميليشيات الشيعية في العراق لمن لا يعرف هي حشود شعبية طائفية من المتطوعين، المندفعين عقائديا للقتال ضد “داعش”، ويقودها زعيم حزب الله العراقي أبو مهدي المهنـدس، المعروف بصلاته الوثيقة بالجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد فيلق القدس المدرج على قائمة الإرهاب الأميركية!! كما تضم هذه الميليشيات جماعة عصائب أهل الحق التي أعدمت في عام 2007 خمسة جنود أميركيين بشكل وحشي في كربلاء، ولا تزال هذه الجماعة تسجل جريمتها تلك في سجلات الفخر والاعتزاز بين نظيراتها من الميليشيات والجماعات الشيعية في العراق.
ندرك جميعا أن حسابات السياسة والمصالح البراجماتية تبرر خطط التعاون الأميركي – الإيراني ضد داعش في العراق، ولكن هذا الكلام ربما يكون جائزا في حال غياب البدائل في التعاطي مع خطر تنظيم داعش الإرهابي، ففي الوقت الذي يجري فيه هذا التعاون، تتباطأ الولايات المتحدة والحكومة العراقية، بل ترفضان، تزويد العشائر السنية بالسلاح من أجل خوض معركتها بنفسها لطرد عناصر “داعش” من أراضيها، كما تباطأت واشنطن كثيرا قبل أن تقدم الدعم والعون للميليشيات الكردية في القتال ضد “داعش”، في حين تحظى الميليشيات الشيعية برعاية رسمية من الحكومة العراقية، التي لا تمتلك سيطرة واضحة على هذه الميليشيات.
كما أن خطر الميليشيات الشيعية في العراق هو في حقيقة الأمر لا يقل عن خطر تنظيم “داعش”، فكلاهما ميليشيات تعمل خارج نطاق الدولة وتمتلك أجندات عقائدية وأيديولوجية بغيضة تضرب أمن العراق واستقراره ووحدة أراضيه في مقتل.
ندرك، أيضا، أن البيت الأبيض يحاول استرضاء طهران بكل الطرق، ويقدم لها تنازلات خفية ومعلنة في ملفات إقليمية عدة ابتداء من اليمن وانتهاء بالعراق، من أجل سرعة تمرير الاتفاق النووي النهائي الذي بات في مواجهة سيناريو الفشل مع اقتراب الثلاثين من يونيو الجاري دون التوصل إلى صيغة كاملة لهذا الاتفاق، ولكن هذه التوجهات لا تضمن الأمن والاستقرار الإقليمي في منطقة الخليج العربي بشكل خاص، والشرق الأوسط بشكل عام.
ولابد أن تفهم الإدارة الأميركية أن إطلاق يد إيران في المنطقة لن يسفر سوى عن دمار وخراب إقليمي واسع النطاق، خصوصا في ظل لعب إيران ورقة الطائفية بشكل أكثر كثافة وعلانية، حيث يجلب الحرس الثوري مقاتلين شيعة أفغان وعراقيين ولبنانيين وباكستانيين للقتال في ساحات قتال عربية عدة، وهذا الأمر سيقابله استدعاء واستنفار لتنظيمات إرهابية محسوبة على المذهب السني لجلب سنة مقاتلين من أرجاء العالم كافة، وهذا هو السيناريو الأسوأ والكارثة الحقيقية التي يحاول الجميع تفاديها حتى الآن في منطقتنا العربية.
العشق الأميركي – الإيراني الممنوع في العراق مؤشر على نوايا أميركية غير طيبة تجاه العرب ودول الخليج العربية، والأمر ليس بحاجة إلى إيضاحات ولا تأكيدات بشأن السياسة الأميركية تجاه دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بقدر ما هو بحاجة إلى تغيير في المسار الأميركي بما يتماشى مع مصالح واشنطن مع حلفائها وشركائها الحقيقيين في دول التعاون، وإلا فإن من الوارد أو المطروح، بل من الضروري، أن يتجه هؤلاء الحلفاء إلى تنويع خياراتهم الاستراتيجية حفاظا على مصالح شعوبهم ودولهم، في مواجهة ضبابية السياسة الأميركية في المرحلة الراهنة.