خطر التنظيمات الإرهابية، وفي مقدمتها {داعش} والتنظيمات الأخرى المرتبطة بالقاعدة لا يقف عند حدود جغرافية معينة، بل يتجاوز المنطقة ليشكل خطرا داهما على الأمن والاستقرار في العالم أجمع.
في كلمته التي ألقاها أمام الدورة الـ70 للجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرا، وضع الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية في دولة الإمارات العربية المتحدة النقاط على الحروف في موضوعات عدة، وأكد موقف دولة الإمارات حيال العديد من القضايا والأزمات المثارة إقليميا ودوليا، كما كان خطابه ردا على الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام المثارة حول القضايا والأزمات الإقليمية المشتعلة.
أكد وزير الخارجية الإماراتي في خطابه أن خطر التنظيمات الإرهابية، وفي مقدمتها “داعش” والتنظيمات الأخرى المرتبطة بالقاعدة لا يقف عند حدود جغرافية معينة، بل يتجاوز المنطقة ليشكل خطرا على الأمن والاستقرار في العالم أجمع، وفي ذلك رسالة مهمة لبعض القوى والأطراف الإقليمية والدولية التي تحاول تقسيم هذه التنظيمات إلى مستويات من الخطورة، بحيث يمكن تأجيل التعامل مع بعضها بل وربما التعاون معه من أجل التصدي للتنظيمات الأكثر خطورة، وهذا منطق أعوج ولا يستقيم مع المبادئ التي ترفض الإرهاب وتنظيماته جملة وتفصيلا، حيث ينطوي إرجاء التصدي لأي منها أو المماطلة في ذلك على خطر داهم على الجميع. كما أكد الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان أيضا فكرة الشراكة الدولية في مواجهة خطر الإرهاب، فهذا الخطر يتطلب تعاونا إقليميا ودوليا مكثفا ويصعب على دولة أو مجموعة من الدول التصدي له بمفردها، ولعل فكرة الشراكة الدولية في مواجهة الأزمات في القرن الحادي والعشرين هي انعكاس لقناعة إماراتية راسخة بقيمة التعاون الدولي ودوره في معالجة الأزمات والاستجابة للتحديات والتصدي للتهديدات.
تضمنت كلمة وزير الخارجية أيضا تقديرا لدور مؤسسة إسلامية رائدة في نشر الاعتدال وقيم التسامح والتعايش، هي الأزهر الشريف حيث أشاد بالدور الذي لعبه الأزهر الشريف في مواجهة الفكر المتطرف وتجديد الخطاب الديني، كما أعاد الشيخ عبدالله بن زايد التأكيد على موقف الإمارات المبدئي والثابت حيال دعم مصر الشقيقة، مجسدا قناعة راسخة لدى القيادة الرشيدة في دولة الإمارات العربية المتحدة بأن مصر هي ركيزة الأمن والاستقرار للعالم العربي، ودعمها وتأمين استقرارها يغلقان باب الشرور والفتن والاضطراب في هذه المنطقة المضطربة من العالم.
لم تتنصل الإمارات من عروبتها كما يزعم السفهاء والحاقدون، بل تؤكد دوما التزامها بما تعلنه من سياسات وخطط تستهدف دعم الشعوب العربية الشقيقة في ليبيا وسوريا والعراق وغيرها، حيث جدد سموه التزام دولة الإمارات بموقفها القومي والإنساني بتخفيف معاناة الشعوب العربية، ودعمها في مكافحة تنظيمات الإرهاب. كما شجع الشيخ عبدالله بن زايد حكومة العراق على أن تكون الإصلاحات التي تقوم بها شاملة ومنصفة وعادلة لجميع مكونات الشعب العراقي، وهي نصيحة غالية من دولة نموذج تدرك قيمة التعايش والعدالة ودورهما في نهضة الدول والأمم كونهما ركيزتين أساسيتين للنهضة والبناء والتنمية. كما تضمن خطاب وزير الخارجية أيضا تأكيدا على موقف الإمارات الثابت حيال الوضع في اليمن الشقيق، مشددا على التزام دولة الإمارات حيال استكمال مسيرة استعادة الأمن والاستقرار في البلد، ومشيرا إلى التزام الإمارات بدعم الجهود الإنسانية لتلبية الاحتياجات الماسة للشعب اليمني.
دق خطاب الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان الجرس أيضا بقوة إزاء “تصاعد العنف والتوتر في المنطقة نتيجة للأعمال الإرهابية بطريقة بشعة لم يشهد لها العالم مثيلا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية”، حيث أدان تحديدا الجرائم التي ترتكبها التنظيمات المتطرفة وأبرزها “تنظيم داعش والقاعدة وحزب الله وأنصار الله وجماعات أخرى تتستر بالغطاء الديني، لأغراض سياسية تدينها دولة الإمارات بشدة وتستنكر الأساليب الوحشية التي تنتهجها تلك الجماعات باسم الدين الإسلامي والتي لا تمت بأي صلة لمبادئه السمحة الداعية إلى التعايش السلمي وقبول الآخر”. كما شخص الخطاب مكامن الخطر في هذه التنظيمات حين قال إن وحشية هذه التنظيمات قد ازدادت جراء اتباع عناصرها “أساليب خبيثة للسيطرة على الفئات المستهدفة خاصة الشباب وخداعهم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، وتوجيههم عن بعد لارتكاب جرائم إرهابية”، ما يعني أن الخطاب قد نبه العالم إلى خطر تناقل الأفكار الإرهابية عبر شبكات الإنترنت، وصعوبة بقاء دولة أو مجتمع ما بمعزل عن هذا الخطر.
لم يقف الجهد الإماراتي في استعادة الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي عند حد المساعدات الإنسانية والمشاركة في إجراءات استعادة الشرعية الدستورية المسلوبة في بعض الدول، بل تضمن أيضا جهودا كبيرة على مستويات فكرية وثقافية، حيث أسهمت الإمارات في “إنشاء واستضافة مؤسسات دولية لمكافحة التطرف الفكري مثل مركز هداية لمساعدة المجتمع الدولي على بناء القدرات وتبادل أفضل الممارسات لمواجهة التطرف بكافة أشكاله، وكذلك مجلس حكماء المسلمين ومنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة حرصا منها على نشر ثقافة التسامح والسلام وتعزيز التقارب بين الأديان”. كما أطلقت دولة الإمارات مؤخرا بالتعاون مع الولايات المتحدة مركز “صواب” بهدف مكافحة الرسائل التي ينشرها تنظيم داعش الإرهابي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وإتاحة الفرصة لإيصال الأصوات المعتدلة إلى الملايين الرافضة للممارسات الإرهابية والأفكار المضللة التي يروجها تنظيم داعش والجماعات الإرهابية الأخرى.
تناول خطاب الشيخ عبدالله بن زايد أيضا نقاطا بالغة الأهمية، بل هي محور تساؤل من جانب معظم المراقبين والمتابعين حول الموقف الإماراتي حيالها، وفي مقدمة هذه النقاط الموقف حيال التوتر بين السعودية وإيران منذ أزمة التدافع في مشعر منى خلال موسم الحج الأخير، حيث أكد الشيخ عبدالله بن زايد أن دولة الإمارات تؤمن بأن أمن واستقرار دول المنطقة يرتبطان بمدى التعاون الإيجابي فيما بينها، وركنيهما الأساسيين احترام مبادئ السيادة وعدم التدخل في الشأن الداخلي. وأضاف أنه “بعد الاستماع لخطاب الرئيس الإيراني أرى أن سجل إيران لا يؤهلها للحديث عن سلامة الحجاج وحقوق الإنسان، وسياساتها لا تسمح لها بأن تتناول مسائل الاستقرار في الخليج العربي والشرق الأوسط… وستقف دولة الإمارات مع المملكة العربية السعودية بحزم لأي محاولات إيرانية للتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية”.
ويلاحظ أن هذا الموقف الإماراتي من أقوى المواقف الصريحة والواضحة في دعم الأشقاء في المملكة العربية السعودية ضد أي خطط إيرانية معادية لأمن واستقرار المملكة، كون هذا الموقف ينطوي على رسالة واضحة لإيران بأن لا تحاول الرهان على عزل الشقيقة السعودية خليجيا، وأن أي محاولة لها سيكون مصيرها الفشل المحتوم في ظل اصطفاف تاريخي من جانب دولة الإمارات إلى جانب الأشقاء في المملكة العربية السعودية. كما جدد رفض دولة الإمارات لاستمرار الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، وطالب باستعادة السيادة الكاملة على هذه الجزر، مؤكدا أن “جميع الإجراءات والتدابير التي تمارسها السلطات الإيرانية تخالف القانون الدولي وكل الأعراف والقيم الإنسانية المشتركة، ونكرر دعوتنا من هذا المنبر إلى المجتمع الدولي لحث إيران على التجاوب مع الدعوات السلمية الصادقة لتحقيق تسوية عادلة لهذه القضية، إمّا عبر المفاوضات المباشرة الجادة بين البلدين، وإما من خلال اللجوء إلى محكمة العدل الدولية”.
حظيت القضية الفلسطينية باهتمام واضح في خطاب الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان حيث اعتبرها “جوهر الصراع في المنطقة وأحد الأسباب الرئيسية لتهديد أمنها واستقرارها”، مشيرا إلى أن مشاعر الظلم والإحباط التي ولدها استمرار الاحتلال “الإسرائيلي” للأراضي الفلسطينية والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان التي تمارسها قوات الاحتلال، تتيح المجال للجماعات المتطرفة لاستغلال الأوضاع الإنسانية الخطرة في بث أفكارها المتطرفة بين الشباب المحبط وجره لتنفيذ أهدافه الدنيئة.
خطاب الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يؤكد رسوخ المواقف الإماراتية وثبات مبادئها في مواجهة المتغيرات والأزمات التي تعج بها منطقة الشرق الأوسط، كما يؤكد أيضا أن الدبلوماسية الإماراتية شابة وتتمتع بقدر هائل من النضج والرشد والعقلانية، حيث أضفى عليها الشيخ عبدالله بن زايد من سماته الشخصية الكثير، لما يتمتع به من فطنة ورصانة واستيعاب تام لمفردات المشهد الإقليمي والدولي المعقد.
كلمة دولة الإمارات العربية المتحدة أمام الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة هي وثيقة تاريخية بكل المعايير، وتؤكد استمرارية نهج الإمارات وأصالة مبادئها ورسوخ ثوابتها السياسية.