بادىء ذي بدء، فإن موقف دولة الامارات العربية المتحدة ثابت منذ سنوات ضد الارهاب بأشكاله وتنظيماته كافة، بغض النظر عن المذهب والدين، فالارهاب هو الارهاب، لذا فإن الامارات تسعى إلى معالجات شاملة وجادة لهذه الظاهرة البغيضة، ولكن مايحدث على أرض الواقع هو أحد أسباب تنامي الارهاب واستمراره حتى الآن، فمواجهة هذه الظاهرة تتم أحياناً وفق مداخل مذهبية وطائفية تسهم بدورها في تأجيج الارهاب ودعم تنظيماته بعناصر بشرية إضافية جديدة مع إشراقة شمس كل يوم جديد!.
وفي ضوء ماسبق، يدرك الجميع أن تصريحات سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير دولة الامارات، مؤخراً في موسكو، لا تنطلق من أبعاد ودوافع طائفية ولا مذهبية، فقد قالها سموه واضحة وصريحة، ووضع النقاط على الحروف في كثير من النقاط الحساسة التي يتفادى الكثير من الساسة الخوض فيها بصراحة شديدة تحتاجها شعوب المنطقة في هذه المرحلة، لأن المكاشفة والشفافية هي المدخل الحقيقي لمعالجة الإشكاليات، لا المناورة والخداع والالتفاف.
ولنستعرض معاً ما قاله سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان في موسكو، وأثار غضب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وحلفائه الشيعة لنقف على حقيقة الموقف، فقد قال سموه "ليس هناك ارهاب جيد ولا ارهاب ضار"، وهل هناك عاقل يقول بغير ذلك؟ فالارهاب بالفعل هو الارهاب بغض النظر عن الخلفيات المذهبية والعقائدية، وهذه حقيقة ينبغي التسليم بها عند البحث عن تسويات سياسية جادة للأزمات التي تجتاح العديد من دول المنطقة، وهل هناك من يختلف مع هذه الحقيقة سوى طائفي مخادع مناور، أو باحث عن المصالح الشخصية ومعاد لبلاده ومصالحها؟. النقطة الثانية التي تناولها سموه أنه (للقضاء على الارهاب ينبغي أن نبحث على كل مسبباته والقضاء عليها، ولا يمكن أن نفرق في هذا الصدد بين تنظيمي "داعش" و"النصرة" من جهة والجماعات المدعومة من قبل إيران في سوريا والعراق)، ثم تطرق سموه إلى ممارسات التنظيمات الموالية لإيران ضد الشعبين العراقي والسوري ، وهي أمور موثقة بالدلائل والقرائن والأدلة الصادرة من منظمات دولية.
كيف نزعم فاعلية مكافحة ارهاب "داعش" و"جبهة النصرة" ونحن نقف متفرجين على ارهاب مواز ومماثل ولا يقل بشاعة تمارسه ميلشيات موالية لإيران ضد السنة في العراق وسوريا؟ وكيف نقنع الشعوب السنية بأننا ضد الارهاب ونحن نصمت على تعرض أبناء السنة في هاتين الدولتين لارهاب ميلشيات تابعة لدولة تمارس الطائفية والتطهير المذهبي في أبشع صوره؟ لا يمكن أن يزايد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على مواقف الامارات المساندة للشعب العراقي، ومكافحتها للارهاب، فالامارات من الدول الثابتة في مواقفها ودفعت ـ ولا تزال ـ ثمناً غالياً لهذه المواقف الثابتة والراسخة في سياستها الخارجية، ولعل اليمن خير شاهد على ما تدفعه دولة الامارات من أعز ما تمتلك، وهو دماء أبنائها الأبرار الذين استشهدوا على أرض اليمن الشقيق دفاعاً عن حق هذا الشعب الأبي في العيش بأمان وحمايته من بطش وتغول فئة باغية تريد التحكم في مفاصل الدول اليمنية والعبث بمقاديرها.
يبدو أن حيدر العبادي يتناسى ما قاله سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان أثناء زيارته للعراق في نوفمبر 2014، حين قال له "نجاحكم هو نجاح لنا وأن التحديات الصعبة التي تواجه المنطقة تحتم علينا التعاون في مختلف المستويات"، وتابع "لا نستطيع إلا أن نكون مع العراق، وندعم حكومتكم التي أعطت أملا كبيرا للعراقيين، ودفعت المجتمع الدولي للوقوف معكم، ضد تنظيم داعش الإرهابي". وأكد سموه أيضاً "ضرورة تكريس قيم العدالة الاجتماعية والمساواة التي تزيل مشاعر اليأس والتهميش"، ولكن العبادي لم ينتبه ولم يصغ سوى لما يسمعه من الجار الايراني، ولم يستيقظ ضميره الوطني رغم أصوات المعاناة والأنين الصادرة من المناطق السنية في هذا البلد العربي الشقيق!.
صحيح أننا ضد "داعش" و "النصرة" ولكن كيف يمكن أن يقفز المرء على طغيان وسطوة ميلشيات الحشد الشعبي في المناطق السنية؟ وهو أمر أكده العديد من المراقبين، ومنهم نيد باركر مدير مكتب وكالة "رويترز" في بغداد، الذي قرر في ابريل 2015، الرحيل بسبب تهديدات بالقتل تلقاها إثر نشره تقرير قال فيه أن ممارسات ميلشيات الحشد الشعبي التي انتزعت مدينة تكريت من سيطرة تنظيم "داعش" لا تختلف عن الارهاب الداعشي في شىء يذكر، فقد سحلت الجثث ونحرت وحرقت وخربت ودمرت، وهي مشاهد موثقة تلفزيونياً في التقرير، ولم ينكرها العبادي نفسه في مؤتمر ميونيخ للأمن واكتفى بالقاء المسؤولية على من وصفهم بمجموعات مسلحة أفرزها الحشد الشعبي، رغم اعترفه أيضاً ان هذه القوات تعمل تحت أمرة حكومته!!.
هناك أيضاً تقارير المنظمات الحقوقية الدولية التي تضع "داعش" و"النصرة" وميلشيات الحشد الشعبي في تصنيف واحد من حيث ممارسة الارهاب والترويع والذبح والقتل، وترى هذه المنظمات ان التركيز على ارهاب دون الآخر يسهم في تأجيج العنف واتساع رقعته، لاسيما أن الحشد الشعبي يعمل ضمن نطاق دعم رسمي من الحكومة العراقية، وتتحدث هذه التقارير عن ثلاثين مجموعة ميلشيات طائفية تنشط في العراق منذ عام 2003!! بل إن منظمة "هيومان رايتس ووتش" قد أكدت ارتكاب الحشد الشعبي جرائم ضد الانسانية والقت بمسؤوليته على حكومة العبادي، التي تتحمل قانونياً مسؤولية أفعال هذه الميلشيات منذ صدور قرار حكومي بضمها إلى قوى الجيش العراقي في ابريل 2015، كما أن الأمم المتحدة قد اصدرت بيان رسمي في يوليو 2015 تناولت فيه جرائم الحشد الشعبي وانتهاكات حقوق الانسان التي ترتكبها هذه الميلشيات الارهابية في العراق.
لم يتحدث سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان إذاً من فراغ عندما أشار بمسؤولية قومية إلى ضرورة حماية الشعبين العراقي والسوري من تنظيمات الارهاب بكافة مرجعياتها وانتماءتها وولاءاتها الأيديولوجية والسياسية، لاسيما أنه كان حريصاً على عدم الزج بالبعد الطائفي في تصريحاته وركز على الارهاب كظاهرة بغيضة تحتاج شعوبنا كافة إلى مواجهتها والتصدي الجاد لها.
أما احتجاج حكومة العبادي وغضبها، فليس سوى نوع من خلط الأوراق الذي يعكس تغييباً للوطنية وتجاهلاً فاضحاً لمصالح العراق وشعبه، وخضوع لإرادة ملالي قم واملاءاتهم المذهبية الخبيثة، فالعبادي هو أول من يدرك صحة ما قال به سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، ولكن خوفه على منصبه يدفعه لمغالطة الذات وتعمد الاساءة إلى مكونات الشعب العراقي الشقيق، الذي يفترض أن يضطلع رئيس الوزراء العراقي بمسؤولياته وواجباته السياسية تجاهه، لا أن يحمي فصيل ارهابي ويوفر له غطاء قانونياً وسياسياً يواصل من خلالها البطش والارهاب بحق أبناء الشعب. قد اعذر ـ شخصياًـ العبادي لأنه لا يمتلك من الشجاعة وقوة الارادة ما يحتاجه موقف وطني وقومي، كالذي قاله به سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، فضلا عن أن العبادي يثق تماماً في أن أي تعليمات سيصدرها ضد الحشد الشعبي لن تنفذ، بل قد يكون ثمنها رقبته، فقادة هذا الحشد يتلقون اوامرهم من قيادات الحرس الثوري الايراني ولائهم لهؤلاء القادة وليس للعبادي، الذي يضحي بمصالح شعب كامل من أجل البقاء على كرسيه.