يعكس تصويت اللجنة القضائية بمجلس النواب الأمريكي مؤخراً على مشروع قرار باعتبار جماعة الاخوان المسلمين تنظيماً ارهابياً، يعكس هذا التصويت مزاجاً دولياً عاماً مناوئاً لهذه الجماعات والتنظيمات، كما يعكس ترسخ القناعة بأن جماعة الاخوان المسلمين الارهابية هي أحد المنابع الرئيسية للفكر المتطرف، سواء من خلال منظريها الذين أسسواً البنية التحتية الأيديولوجية للارهاب، من خلال كتابات سيد قطب وسعيد حوي وفتحي يكن ومصطفى السباعي ومحمد الغزالي ويوسف القرضاوي، وآخرين ممن يمكن وصفهم بقوة الامداد الأيديولوجي من المنظرين غير المحسوبين تنظيمياً على الجماعة مثل فهمي هويدي وغيره، أو من خلال تعاونها وتنسيقها السري المستمر مع تنظيمات الارهاب مثل "القاعدة" وفروعها المختلفة، والذي تجسد في جرائم تنظيم "بيت المقدس" في مصر الشقيقة، وهي جرائم بدأت منذ إطاحة حكم جماعة الاخوان المسلمين شعبياً في الثلاثين من يونيو عام 2013.
الدلالة الأخطر في موقف اللجنة القضائية بمجلس النواب الأمريكي أنه صدر من جهة تشريعية عليا، وليس من سلطة تنفيذية، وبالتالي يكتسب التصويت فاعلية وحجية أقوى، بما يمثله من سلطة للمشرعين الأمريكين حيال تغلغل الجماعة الارهابية في الأوساط الغربية عموماً، والأمريكية منها على وجه التحديد؛ حيث يعد التصويت بمنزلة صفعة قوية للتنظيم الدولي للجماعة الارهابية، ومحاصرة حقيقية له في واحدة من الدول التي كانت عناصره تتحرك فيها بنشاط مكثف طيلة العقود والسنوات الماضية، بل إن عناصر التنظيم كانت تتردد بحرية لافتة على مقار الخارجية الأمريكية من أجل ايصال رسائل اقناع بتنبي سياسات متشددة حيال مصر.
ورغم أن تصويت اللجنة القضائية بمجلس النواب الأمريكي ينتظر تصويت نهائي من المجلس، فإن التصويت بحد ذاته مؤشر قوي سيحسم مواقف كثير من الدول الأوروبية المترددة حيال الجماعة الارهابية، كما سيسهم في فرض حصار دولي جاد على تحركات عناصر الجماعة والحد من أنشطتها وتجفيف مصادر تمويلها، حيث يفترض أن يتبع تصنيف الجماعة رسمياً في قائمة الارهاب الأمريكية، أن تحظر الإدارة الأمريكية على الأجانب ممن لهم علاقة بالجماعة دخول الولايات المتحدة، فضلا عن تجريم التعامل معهم من جانب الأمريكيين والمقيمين داخل الولايات المتحدة؛ وخضوع الجماعة للملاحقة القضائية الفيدرالية وتجميد أصولها.
ورغم أن هناك جدل بين الخبراء والمتخصصين حول موقف الإدارة الأمريكية الحالية حيال تصنيف جماعة الاخوان المسلمين ضمن قائمة الارهاب، فإن تصويت اللجنة القضائية بمجلس النواب يوجه رسالة قوية لإدارة أوباماً بل والإدارة الأمريكية المقبلة بعدم التهاون مع الجماعة الارهابية والتصدي لخطرها، علاوة على ضرورة إدراك مسألة مهمة تتعلق بالجانب التشريعي الأمريكي، باعتبار أن صدور قانون بشأن تصنيف الاخوان المسلمين جماعة ارهابية من جانب الكونجرس بمجلسيه، فإن الإدارة الأمريكية ستجد نفسها في موقف بالغ الدقة من حيث تطبيق معايير القانون الأمريكي الخاصة بتصنيف الجماعات الارهابية من عدمه.
وأياً كانت نتيجة التصويت النهائي لمجلس النواب الأمريكي بشأن الجماعة الارهابية، فإن المجال لم يعد مفتوحاً في الولايات المتحدة أمام عناصر الجماعة كما كان في السابق، فقد سلط مشروع اللجنة القضائية الضوء على أمور عدة بعضها يتعلق بأنشطة الاخوان وعلاقاتهم المشبوهة بالاعتداءات الارهابية في مناطق شتى من العالم، في حين يتعلق بعضها الآخر بالعلاقات التي تربط العناصر الاخوانية مع بعض المسؤولين الأمريكيين.
وقناعتي الذاتية أن سياسات الولايات المتحدة ـ كقوة عظمى ـ لا تتخذ مواقف حادة في مثل هذه الأمور، بل تترك الباب موارباً وتفتح مجالاً ـ ولو ضئيلاً ـ للنفاذ إلى مناطق التنسيق المشترك والتعاون بين واشنطن والأطراف الأخرى بما فيها الدول والتنظيمات والجماعات التي توضع دائما في خانة العداء مع الجانب الأمريكي. وهنا يبدو مشروع القانون المقترح بمنزلة اختبار مهم للدبلوماسية لأنه يطلب من وزير الخارجية الأمريكي اعداد تقرير في غضون 60 يوماً يحدد فيها رأي الوزارة حيال تصنيف الاخوان جماعة ارهابية وفقاً للمعايير التي ينص عليها القانون الأمريكي في هذا الشأن، ويلزمه ايضاً بتوضيح المبررات والأسانيد القانونية في حال رأت الوزارة أن الجماعة لا تنطبق عليها هذه المعايير.
والواضح من موقف وزارة الخارجية الأمريكية ـ حتى الآن ـ أنها تتفق مع رأي اللجنة القضائية حيث قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، في وقت سابق ضمن شهادة له أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، أن الولايات المتحدة على علم بتورط أعضاء من الإخوان في القيام باعمال عنف، كما أنكر كيري استضافة أعضاء من الإخوان خلال زيارتهم إلى واشنطن العام الماضي، مشيرا إلى انه لم يكن معلوماً أن أحد أعضاء الوفد ينتمي إلى حزب تابع للإخوان. المسلمين، والأهم أنه أشار في شهادته إلى وجود بعض فروع هذه الجماعة تقوم باعمال عنف، ما يؤشر في مجمله إلى موقف مماثل للخارجية الأمريكية في حال أقر الكونجرس الأمريكي بمجلسيه توصية اللجنة القضائية بمجلس النواب.
ما يهمني أيضاً في هذا الموضوع أن مشروع القانون الأمريكي المقترح يعمق جراح التنظيم الدولي للجماعة الارهابية، ويدفع باتجاه تفتت هذا الكيان التنظيمي بالغ الخطورة على الأمن والاستقرار في العالم العربي والاسلامي، بما يقوم به من مؤامرات وخطط لإطاحة أنظمة الحكم ومحاول تمكين الجماعة الارهابية من السلطة في إطار مشروع إخواني كبير للوصول إلى ما وصفه المرشد المؤسس للجماعة بـ "أستاذية العالم"، وهي الفكرة الموازية لفكرة "الخلافة" التي تنادي بها تنظيمات ارهابية أخرى، استنطبتها بالفعل من أدبيات الأخوان المسلمين" بعد أن قام الاخوان بمحاولة الالتفاف على فكرة "الخلافة" والمناورة سياسياً، بترويج فكرة البنا القديمة الخاصة بأستاذية العالم، وهي صيغة أيديولوجية خبيثة لبناء دولة ثيوقراطية قائمة على الأسس ذاتها التي ينادي بها البغدادي والظواهري وغيرهما من زعماء تنظيمات الارهاب الدولية.
أدرك أن القضاء على فكر الاخوان المسلمين الخبيث لن يتم في واشنطن ولا لندن، ولكن في منابعه الأصلية في دولنا العربية والاسلامية، ولكني أثق أنها جهود متكاملة يصب بعضها في بعض ويتكامل بعضها مع البعض الآخر، فاستئصال جذور عمل تنظيمي معقد استمر مايقرب من تسع عقود لن يتحقق بين عشية وضحاها، بل يتطلب عملاً دؤوباً وجهداً مضنياً على مستويات شتى بعضها يتعلق بتفكيك الأطر القانونية والتنظيمية والبنى الهيكلية، وبعضا ينصب على البنى المعرفية والفكرية والأيديولوجية، وبعضها الآخر يستهدف مراكز الامداد والتمويل المالي والتجنيد البشري، في حين يعمل بعضها الآخر في إطارات جغرافية ويستهدف نشر هذه الجهود على الصعيدين الاقليمي والدولي ومحاصرة المشروع الاخواني جغرافياً وسياسياً وفكرياً. وبالتالي هي سلاسل معقدة ومتعاقبة من الجهود، وتتطلب إيماناً راسخاً بقيمة هذه الجهود من أجل تحقيق الأمن والاستقرار على المدى البعيد، وليس فقط تحقيق انتصارات تكتيكية ناتجة عن "جزر" زمني لأنشطة الجماعة الارهابية لا يلبث أن يعقبه "مد" يحمل موجات نشاط عاتية أقوى مما سبق.