في ذكرى مرور عام على القرار التاريخي للقيادة السعودية بانطلاق عملية “عاصفة الحزم” في السادس والعشرين من مارس عام 2015، يمكننا استخلاص الدروس المستفادة من هذه المحطة النوعية المهمة في النظام الإقليمي، انطلاقا من أن ما بعد “الحزم” يختلف تماما عما قبله سواء لجهة تعاطي عواصم دول مجلس التعاون مع ما يحيط بها ويؤثر فيها من متغيرات استراتيجية، أو لجهة مواقف الأطراف والقوى الإقليمية الأخرى، التي كان الحال قد بلغ بها مدى لا يجب أن نقفز عليه عند أي نقاش أو تحليل للمشهد الإقليمي في السنوات القليلة الماضية.
لا يجب أن ينسى أي عربي أو خليجي أن علي رضا زاكاني، مندوب مدينة طهران في مجلس الشورى الإيراني، وهو شخصية مقربة من المرشد الأعلى علي خامنئي، قد رفع صوته أمام العالم أجمع في سبتمبر 2014، متباهيا بأن العاصمة صنعاء قد أصبحت العاصمة العربية الرابعة التابعة لإيران بعد كل من بيروت ودمشق وبغداد، مؤكدا أن ما وصفه بـ”ثورة الحوثيين” ليست سوى امتداد للثورة الخمينية، وأن صنعاء في طريقها للالتحاق بالثورة الإيرانية.
هذا الحديث البغيض لم يتفوه به زاكاني في مجلس خاص، أو صدر منه في لحظة عابرة، بل أعلنه تحت قبة مجلس الشورى الإيراني، وسجله في مضابط جلسات المجلس، ولم يكتف بما سبق، بل اعترف علنا بتدخل فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في العراق، وقال نصا “لو لم يتدخل الجنرال قاسم سليماني في الساعات الأخيرة بالعراق، لسقطت بغداد بيد داعش كما أن هذا التدخل طبق على سوريا”، مشيرا إلى أنه “لو تأخرنا في اتخاذ القرارات الحاسمة تجاه الأزمة السورية، ولم نتدخل عسكريا لسقط النظام السوري منذ بداية انطلاق الثورة”، وقال زاكاني إن الرئيس السوري، بشار الأسد، كان يقول للوفود الرسمية التي هنأته بالفوز بنجاحه في الانتخابات الرئاسية، إن التهنئة الحقيقية يجب أن تقدم للمرشد الإيراني علي خامنئي وليس لي أنا شخصيا، وذلك لأنه هو صاحب الفضل الأول في نجاحي في هذه الانتخابات.
ليس معنى أن نرفض تدخل فيلق القدس في حماية بغداد أننا نوافق على إرهاب “داعش”، فمن صنع هذا التنظيم البغيض ودعمه كان، ولا يزال، يستخدمه ويوظفه في تحقيق أهدافه التوسعية الإقليمية، فداعش يرفع، زورا وبهتانا، لواء سنيا، ولكنه صنع في مختبرات الحرس الثوري، ليوفر غطاء لتنفيذ المؤامرات وخطط التقسيم والمشروعات التوسعية.
هذا الكلام يجب أن يعيه كل من يوجه أي كلمة نقد لموقف التحالف العربي الداعم للشرعية الدستورية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية، قبل أن يحلل ويناقش ويستفيض في استعراض النتائج والتداعيات الاستراتيجية لعمليتي “عاصفة الحزم” ثم “إعادة الأمل”، فلم تترك إيران، ولا تزال، أي هامش مناورة للعمل السياسي، كما لم يكن هناك مجال للصمت، بل إن الكثيرين، وأنا منهم، يرون أن عملية “عاصفة الحزم” قد تأخرت كثيرا، ولكن أن تأتي متأخرا أفضل من ألا تأتي على الإطلاق.
مر عام على “الحزم” بل هو عام الحزم والإرادة العربية والخليجية في مواجهة قوى البغي والظلم والعدوان، وهو عام إثبات الأخوة وصلة الدم والرحم التي تربط شعوب دول مجلس التعاون بالأشقاء في اليمن الأصيل، فقد تسابق أبناء دولة الإمارات العربية المتحدة في تلبية نداء الواجب، الذي أكده الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لدى استقباله قادة المقاومة اليمنية في ديسمبر الماضي، حين قدموا لتقديم الشكر على الجهد الإماراتي لمساعدة ودعم الشعب اليمني، قائلا “لا تشكرونا على واجب مفروض علينا القيام به”.
إنقاذ شعب اليمن يعد بمنزلة معركة للكرامة والنخوة والأصالة العربية، ففزعة قيادتنا الرشيدة، وعلى رأسها الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان سجلت موقفا قوميا عروبيا للتاريخ، وتضحيات أبطال قواتنا المسلحة وشهدائنا الأبرار، ستظل علامة مضيئة في تاريخ اليمن الشقيق، كونها أسهمت في تغيير مجرى التاريخ في هذه المنطقة، فلم يكن دور التحالف العربي لدعم الشرعية الدستورية في اليمن محصورا في التصدي لجرائم جماعة الحوثي وميليشيات المخلوع علي عبدالله صالح، بل كان في حقيقة الأمر تصديا لما وراء هذه الميليشيات الطائفية، وهم رعاتها وحلفاؤها وممولوها الذين تباهوا علنا بضم صنعاء للثورة الإيرانية، لذا لم يكن مفاجئا أن يذهب أحفاد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان للدفاع عن الأرض التي عشقها الجد، فلم يتوان الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عن إرسال نجله الشيخ ذياب، للقتال إلى جانب أشقائه من أبناء الإمارات الأبرار، قالها وأعلنها والده عندما خاطب جرحى إحدى العمليات العسكرية الإماراتيين مقبلا رؤوسهم قائلا لهم “ذياب مب أحسن منكم”، ليؤكد وجود نجله في أتون معركة استعادة الشرعية والدفاع عن كبرياء أهل اليمن الشقيق وأمنهم واستقرارهم.
عام مضى على الاستفاقة واليقظة الاستراتيجية العربية، التي قادها بجدارة واقتدار العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي حفر اسمه من نور في سجلات الشرف العربي والقومي، فكان قراره صحوة عربية تاريخية لن تنسى، فاختبار اليمن كما قال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان سيظل محطة فارقة في تاريخ المنطقة، حيث قال “اختبار اليمن للعلاقة السعودية الإماراتية ضمن التحالف العربي تم اجتيازه بالفخر والثقة والعمل والتضحيات المشتركة، ونرى في هذا التعاون قبساً من نور يوجهنا جميعا لما فيه مصلحة العالم العربي”.
عام مضى على التصدي لنفوذ المشروع الطائفي الإيراني في المنطقة بأكملها، ولنرى جميعا ونراجع أين هو المشروع الإيراني الآن؟ هل واصل تمدده الاستراتيجي كما كان مخططو الاستراتيجيات الإيرانية يطمحون، أم بقي هذا المشروع متجمدا يدافع عن نقاط تحصنه في العراق وسوريا ولبنان؟
الحال واضح للجميع، فقد نجح التحالف العربي في نقل الرسالة واضحة لإيران والعالم أجمع “دول مجلس التعاون وأشقاؤها العرب لن يقفوا مكتوفي الأيدي من الآن فصاعدا في مواجهة النفوذ الإيراني”. هي رسالة زلزلت كيان عواصم إقليمية ودولية كبرى، ونتائجها الاستراتيجية الإيجابية تتوالى تباعا، فلم تعد العواصم الخليجية مجرد متابع لما يدور من حولها، بل هي فاعل استراتيجي أصيل يحسب له الآخرون ألف حساب، وأدركت شعوبنا أن مصالح دولنا وأمننا الوطني لا ترتبط بحدود الجغرافيا، بل بحسابات معقدة تفرضها متغيرات العولمة وصراعات الأجيال الجديدة من الحروب في القرن الحادي والعشرين.