في مواجهة الأنواء الاستراتيجية التي يموج بها العالم العربي والاسلامي، لابد من طوق انقاذ في ساعات الملمات ـ لا قدر الله ـ ولكن لأن مصائر الدول والشعوب، لا تترك لحسابات المصادفة، ولا ينبغي أن تكون كذلك، فإن القادة الذين وضع الله فيهم حكمة ورشادة،
يسعون بكل السبل إلى سد الثغرات وتوحيد الصفوف وتمتين الدروع وبناء وحدة وطنية قائمة على مداميك محسوب لها كل حساب.
ومن هؤلاء القادة، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الذي عبر في حديثه الأخير مع المشاركين في المهمات والواجبات الوطنية الاماراتية داخل الدولة وخارجها أثناء زيارة سموه لأحد المواطنين في مدينة العين، عن فسلفة عمل بسيطة في ظاهرها ولكنها عميقة في معانيها، سهلة في مفرداتها صعبة في تطبيقها على تعصى عليه أسرارها ومفاتيحها، حيث قال سموه للحضور "إننا نستمد قوتنا في مواجهة التحديات من تماسكنا وتلاحمنا المتين كعائلة واحدة بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، في هذا الوطن الغالي، ونقف صفاً واحداً ضد المغرضين والمتربصين والحاقدين".
الاصطفاف الوطني إذن هو كلمة السر ومفتاح هذه الروح الوطنية الوثابة التي تحلق في سماء وطننا الغالي، وتسكن صدور أبنائه وتسري في عروقهم مسرى الدماء...إنها روح العائلة، التي يدرك حقيقتها الجميع على أرض الامارات الطيبة، فهذه المفاهيم في الامارات تمشي على الأرض ولا ترفع لمجرد التسويق السياسي والاعلامي، ولا يجب أن نغفل عن أن هذا الحديث قد دار في واحد من لقاءات سموه العديدة بالمواطنين، وليس في مقر رسمي، فكان حديث من القلب تلقفته قلوب تبادله حباً بحب، ولا تحتاج إلى شرح أو تفسير أو تحليل.
لاشك أن من يتابع خطى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، يدرك أن سموه يمضي على خطى الوالد المؤسس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، كما يمضى على خطى صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله، حيث يحرص صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد على البقاء على مقربة من شعبه، يتلمس المطالب ويستجيب للتطلعات، ويحرص على راحة الكبير والصغير، من كل الفئات والشرائح المجتمعية من دون تفرقة، فتجربة النهضة الاماراتية باتت من النضج والعنفوان بحيث تستطيع التحليق عالياً في سماء التنافسية العالمية، لتضمن لأبناء الامارات وأجيالها المقبلة غد واعد بكل خير إن شاء الله.
خلال هذا اللقاء أيضاً، هناك مشهد قد يعتبره البعض بسيطاً أو عابراً ولكنه أعجبني لما يحتويه من مضامين ومعان بليغة، وهو قبلة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على يد أحد البراعم الاماراتية من الحضور، فهي ليست فقط قبلة أبوية، بل احساس عميق من قائد محنك بقيمة النشء من رجال المستقبل وضرورة تشجيعهم وتحفيزهم وغرس حب الوطن وقيم الولاء والانتماء فيهم، إنها دروس نستلهمها من سموه في كل موقف ومناسبة، ولمَ لا وهو من تخرج من واحدة من أعظم مدارس القيادة السياسية في التاريخ الانساني، وهي مدرسة زايد الخير والعطاء ـ طيب الله ثراه ـ تلك المدرسة التي ستظل نبراساً مرشداً في بناء الدول والأوطان، والسير على دروب الوحدة والتعاون والتضامن.
اعتقد أن المرحلة التاريخية الراهنة في عالمنا العربي في حاجة ملحة إلى أمرين مهمين، أولهما الايمان بقيمة التعاون والوحدة والتضامن العربي باعتبار ذلك هو السبيل الأوحد وبديل الضرورة والخيار الذي لافكاك منه في مواجهة تحديات وتهديدات غير مسبوقة في التاريخ الحديث. والأمر الثاني الاصطفاف الوطني والحفاظ على سيادة الدولة الوطنية والحيلولة دون تمدد عوامل النخر وتسربها إلى جذورها، واستدعاء الموروث الحضاري والانساني والقيمي للشعوب واعادة "تثبيته" في ذاكرة الأجيال الجديدة للتأكد من وجود عوامل الحصانة المجتمعية الكافية في مواجعة أعاصير التشدد والتطرف والارهاب والمؤامرات الخارجية، التي لا تكف عن البحث عن ثغرات ومزالق تتيح لها النفاذ إلى المجتمعات، سعياً وراء غرس عوامل الفتنة والتفكك والانقسام وربما الاحتراب الأهلي.