ربما يحصر الكثير من المتخصصين والباحثين العلاقات القوية القائمة بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من ناحية، والمملكة المغربية الشقيقة من ناحية ثانية، في الدائرة المفاهيمية والاصطلاحية المرتبطة بالعلوم السياسية والعلاقات الدولية،
فتارة تصنف هذه العلاقات ضمن مفهوم “الشراكة الاستراتيجية”، بينما يعتبرها آخرون “تحالفاً استراتيجياً”، وبين هذا وذاك هناك قائمة قد تطول من التعريفات والتصنيفات، التي تسعى جميعها إلى تأطير هذه العلاقات وبلورة مقاربة مفاهيمية واقعية لها.
من ناحيتي، كمواطن خليجي عربي، ومهتم بالثقافة المغربية ولدي مقاربات كثيرة داخل الأوساط البحثية والاعلامية والفكرية المغربية، ليس لدي شك في أن الوشائج التي تربط دول “التعاون” وشعوبها بالأشقاء المغاربة أعمق بمراحل من التوصيفات “الاستراتيجية” والأطر السياسية والمعرفية التي تؤطر هذه العلاقات مفاهيمياً كما أشرت آنفاً.
ما يربط الشعوب الخليجية العربية بالشعب المغربي بالاساس هو التاريخ والعلاقات الانسانية وصلات الدم والقربى، وليس فقط علاقات الشراكة الاستراتيجية المتنامية في القطاعات والمجالات كافة، فهذه الشراكة، على أهميتها القصوى لتحقيق ترابط فعلي بين الجانبين، لا تكفي للتعبير بشكل متكامل عن مشاعر الأخوة التي تربط شعوب دول مجلس التعاون وأشقائهم المغاربة، لذا لم يكن مفاجئاً أن تلتئم مؤخراً أول قمة خليجية ـ مغربية في الرياض مؤخراً، كما لم يكن موقفاً طارئاً ذلك الذي تبناه قادة دول مجلس التعاون حين أعلنوا تضامنهم مع المملكة المغربية في قضية الصحراء.
والمؤكد أيضاً ان العمق التاريخي والانساني للعلاقات الخليجية ـ المغربية يتجلى في مواقف تاريخية معينة، وقد لا يكون هناك ما يظهر ويعكس هذا العمق أكثر مما أعلنه العاهل المغربي صاحب الجلالة الملك محمد السادس حين قال ” نحن أمام مؤامرات تستهدف أمننا الجماعي. الدفاع عن أمننا واجب، والأمن الخليجي هو أمن المغرب”.
إن تجديد قادة دول مجلس التعاون دعم مبادرة الحكم الذاتي التي قدمتها المملكة المغربية حول الصحراء هو دعم لخيارات الشعب المغربي في الحفاظ على الوحدة الترابية لبلاده، والتمسك بأرضه وممارسة كافة أشكال السيادة عليها، لذا لم يكن البيان الصادر عن القمة محصوراً في الدعم السياسي القوي للموقف المغربي في قضيته السيادية، بل شمل تأكيد على ثوابت هذه العلاقة، حيث جدد القادة جميعهم “إيمانهم بوحدة المصير والأهداف وتمسكهم بقيم التضامن الفاعل والأخوة الصادقة، التي تقوم عليها العلاقات التاريخية الاستثنائية بين دول مجلس التعاون والمملكة المغربية”.
قوة العلاقات الخليجية ـ المغربية تتجلى كذلك بوضوح في صياغة البيان الختامي للقمة، فقد احتوي على بنود ونقاط غاية في الأهمية، وتستحق كثير من التحليل والتفسير السياسي لتوضيح أبعادها ودلالاتها للرأي العام الخليجي والمغربي بشكل خاص، والعربي بشكل عام، ومنها تأكيد القادة على ضرورة إعطاء الشراكة الاستراتيجية الخليجية المغربية دفعة نوعية قوية وتطويرها في جانبها المؤسساتي، ولكن الأهم، في تقديري، هو البند الخاص بالتعبير عن “التزام” قادة دول مجلس التعاون والمملكة المغربية معاً بالدفاع المشترك عن “أمن بلدانهم واستقرارها واحترام سيادة الدول ووحدة أراضيها وثوابتها الوطنية، ورفض أي محاولة تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ونشر نزعة الانفصال والتفرقة لإعادة رسم خريطة الدول أو تقسيمها، بما يهدد الأمن والسلم الاقليمي والدولي”.
وانطلاقاً مما سبق قد ذهب البيان في توفير دعم خليجي جاد للمملكة المغربية الشقيقة إلى حد “نحت” مفهوم جديد للعلاقات بين الجانبين، حيث أكدت القمة أن “دول مجلس التعاون والمملكة المغربية تشكلان تكتلاً استراتيجياً موحداً، حيث أن مايمس أمن إحداها يمس أمن الآخر”، وبناء على ذلك فقد جدد قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية موقفهم المبدئي من أن قضية الصحراء المغربية هي أيضاً قضية دول مجلس التعاون، وأكدوا “موقفهم الداعم لمغربية الصحراء، ومساندتهم لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب، كأساس لأي حل لهذا النزاع الإقليمي المفتعل. كما أعربوا عن رفضهم لأي مس بالمصالح العليا للمغرب إزاء المؤشرات الخطيرة التي شهدها الملف في الأسابيع الأخيرة.”
هذه الخطوات الاستباقية الجريئة في التصدي لمصادر الخطر والتهديد الاستراتيجي سواء تلك التي تتعرض لها المملكة المغربية الشقيقة، أو دول مجلس التعاون، تعكس رؤى وتصورات استراتيجية جادة تعطي لدول مجلس التعاون فرصة “الفعل” والامساك بزمام المبادرة في إدارة الأزمات الاقليمية، وعدم الاكتفاء بسياسة “رد الفعل”، التي جلبت الكثير من الإشكاليات والتعقيدات للأزمات الاقليمية التي تؤثر بدورها في الأمن الوطني لدول مجلس التعاون، وفي مقدمتها الارهاب وملف اليمن وسوريا وغير ذلك، كما أسهمت سياسات “رد الفعل” أيضاً في بناء القوى الاقليمية التوسعية، وفي مقدمتها إيران، تصورات ووجهات نظر مغلوطة وخاطئة تماماً حول الفكر الاستراتيجي لقادة دول مجلس التعاون، وهوامش الحركة الاستراتيجية المتاحة لديهم ومن ثم قدرتهم على الفعل والتأثير في البيئة الاستراتيجية من حولهم، حفاظاً على أمن واستقرار دولهم والحفاظ على مكتسبات شعوبهم.
القمة الخليجية المغربية تمثل حجر زاوية جديد لعلاقات متجذرة تجمع بين التاريخ والاستراتيجية والمصالح والجوانب الانسانية وصلات الدم، وهذه الخطوة الفاعلة بمنزلة تحصين قوي لأمن واستقرار الجانبين في مواجهة مايحاك من مؤامرات وخطط وتدابير لأمن الشعوب العربية واستقرارها، فالمملكة المغربية ـ بما تمتلك من قدرات استراتيجية وبشرية ومعرفية، تمثل أحد مداميك الأمن القومي العربي، ودول مجلس التعاون، على قناعة بمبدأ وحدة المصير العربي، لاسيما في هذه اللحظاتت التاريخية الحاسمة؛ ومن ثم يصبح ربط جناحي الأمة العربية، شرقاً وغرباً مسلكاً حكيماً في مواجهة مصادر التهديد الاستراتيجي القائمة والمحتملة.