يوم السادس من اغسطس ليس يوماً عادياً بالنسبة للشعب الاماراتي، فنحن نعتبر هذا اليوم جزء من هويتنا وشخصيتنا الوطنية، فهو اليوم الذي تولى فيه المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ـ طيب الله ثراه ـ مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي عام 1966. ومنذآك، بدأت دورة حياة حقيقية وطاقة بشرية هائلة تسرى في شرايين هذا البلد، وانطلقت خطط وأفكار تشكيل دولة ونقل الحياة البدائية وقتذاك إلى مستويات تضاهي طموح المؤسس العظيم الوالد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد.
قرأت كثيراً عن بدايات ومراحل التأسيسي الأولى لدولتنا الحبيبة، وحجم التحديات الهائل الذي واجه الوالد المؤسس ـ طيب الله ثراه ـ واقتنعت تماماً بأن الإرادة هي صانعة الانجازات، وأن العمل لخير البشر يطلق الطاقات الكامنة داخل الانسان، ويحفز الجميع على العمل الجاد.
أدركت أيضاً أن الوالد المؤسس ـ طيب الله ثراه ـ كان يؤمن بقوة وعمق شديدين بالرسالة الحقيقة للانسان وهي البناء والإعمار، وهي رسالة نبيلة خلقنا الله عزوجل من أجلها، ولذا كان النجاح والتوفيق من الله حليفه الأهم في مواجهة تحديات جمة يصعب التعامل معها ومواجهتها بامكانيات قليلة بل شحيحة وقتذاك.
كان الوالد المؤسس قائداً عظيماً بالفطرة... هكذا تقول وتؤكد خطواته الأولى منذ أن عين حاكماً للمنطقة الشرقية من إمارة أبوظبي عام 1946، فقد أحسن توظيف القدرات المحدودة وقتذاك في تنمية البشر، ضارباً المثل في بناء الدول على أسس قوية حين اتخذ من الزراعة ركيزة لطموحاته، فقد كانت الزراعة بداية انطلاق التجربة الاتحادية الفريدة، فالزراعة تعني الاستقرار وتؤشر للتوجه نحو نمو حقيقي يخدم البشر، ثم كان التعليم إشارة أخرى لإدراك مبكر لقيمة العلم في بناء الدول، فكان افتتاح أول مدرسة في العين عام 1959، وتلاها بناء مستشفى العين والسوق التجاري وشبكات الطرق ليؤكد تشبعه بأسس بناء الدول وتوفير مقومات النمو والتطور والتقدم لها.
هذه الدروس تمثل معطيات مغايرة لما نشاهده الآن من حولنا، ولاسيما على صعيد من يزعمون أنهم يمثلون الاسلام ويرفعون رايته ويتبنون رسالته وهم أناس يتخذون من العنف والارهاب سبيلاً لبناء أوهام يحاولون إقناع أتباعهم وثلة من المغرر بهم والمتعاطفين مع أفكارهم المجنونة بأن السيطرة على قطعة من الأرض يعني بالتبعية وجود "دولة" يسمونها "دولة إسلامية"!
بناء الدول أيها السفهاء يبدأ وينتهي بالبناء والإعمار ونشر العدل وتحقيق رسالة الخالق العظيم في الأرض، هكذا فعل الوالد المؤسس زايد الخير والعطاء ـ طيب الله ثراه ـ حين وضع أولى لبنات هذا الكيان الاتحادي الذي نراه اليوم منافساً قوياً ونداً صاعداً لدول بلغت من التطور والتقدم عتياً.
الفكرة الأساسية في نهج الوالد المؤسس ـ طيب الله ثراه ـ تمركزت في توفير المقومات الأساسية وبناء مظلة جامعة لشعب الامارات على المستويات كافة، المعيشية والاقتصادية والقيمية والأخلاقية والتعليمية والثقافية، والاستفادة من تجارب الدول الأخرى والانفتاح على العالم من دون أحقاد أو ضغائن انطلاقاً من قناعة راسخة بمبدأ المساواة بين البشر، فلا فرق بين هذا وذلك سوى بالعمل، فتكونت كتائب الإعمار والبناء لا كتائب الدمار والعنف والارهاب والخراب التي يكونها زعماء الارهاب اليوم ليروعواً بها العالم ويصدرون أسوأ صورة نمطية عن ديننا الاسلامي الحنيف.
استطاع زايد الخير والعطاء ـ طيب الله ثراه ـ أن يرسم صورة ذهنية ايجابية رائعة للامارات وشعبها في عيون العالم أجمع من دون حملات علاقات عامة تنفق عليها ملايين الدولارات، ولا وسائل دعاية، بل بـ "بناء النموذج"، الذي روج لنفسه ذاتياً وسط عشرات التجارب التنموية المتنافسة وقتذاك، فكان الوالد المؤسس رمزاً للقيادة والحكمة والاعتدال واستطاع أن يؤسس لمدرسة متفردة في الحكم، فلم يتشرب بنهجه القيادي الفذ أبناءه الكرام أصحاب السمو الشيوخ فقط، بل إنني استطيع القول ت من دون مبالغة ـ أن الاماراتيين جميعاً تشبعوا وتشربوا بروح المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد ـ طيب الله ثراه ـ وبات نمط قيادته وأسلوب حكمه وطريقه حياته وكلماته نهجاً محفوراً في الوعي الجمعي الاماراتي نتنفسه كما نتنفس هواء هذا البلد الطيب، ونمضي عليه كما نمضي على دروب شقتها عصا زايد ومضت عليها قدماه في يوم من الأيام.
نصف قرن مرت على بداية رحلة الوالد المؤسس ـ طيب الله ثراه ـ في تحقيق حلمه وبناء دولته، التي صارت كما نراها وليست بحاجة كثيرة إلى كلماتنا لتشهد بما تحقق، فالانجازات تتوالى والنجاحات خير الشاهدين بفضل الله أولاً ثم بإخلاص لنهج وفلسفة حكم غرست في وجدان قيادتنا الرشيدة وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ وولي عهده الأمين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ـ حفظه الله.
ذكرى تولي الوالد المؤسس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي في السادس من اغسطس عام 1966، هي بمنزلة شحنه طاقات إضافية لنا لتعزيز ولاءنا وانتماءنا لهذا البلد الطيب، الذي بني بسواعد مخلصة قدمت الغالي والنفيس في سبيل تحقيق ماننعم به الآن من بنى تحتية متطورة وحياة كريمة ووطن آمن مستقر بفضل الله. إنها محطة تأكيد للولاء والانتماء لوطننا وقيادتنا الرشيدة، فمهمتنا الحقيقية أن نواصل رسالة الوالد المؤسس، وأن نقدم ما نستطيع من جهد وتفان في العمل من أجل إعلاء راية دولة الامارات العربية المتحدة.