لم يعد خافياً ولا سراً تباين المواقف العربية العربية حيال مايحدث في سورية، ولم يعد من الممكن تجاهل وجود اختلافات عميقة في وجهات نظر العواصم العربية الكبرى حيال التعاطي مع الأوضاع في سورية! وآخر مظاهر ذلك يتمثل في تصويت مصر بالأمس لمصلحة مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن الدولي بشأن الأزمة السورية، حيث قوبل هذا الموقف باستياء واضح من المندوب السعودي لدى الأمم المتحدة عبد الله المُعلمي، الذي وصف تصويت مندوب مصر لصالح مشروع القرار الروسي، بالمؤلم.
الإشكالية في هذا المشهد ليست في موقف مصر ورؤيتها الذاتية النابعة من دورها القومي ومسؤولياتها التاريخية، ولا في استياء السعودية بما تمتلكه أيضاً من رؤية استراتيجية ومسؤوليات قومية وعربية، ولكن في تباين المواقف العربية بشكل يضع أكبر قوتين مؤثرتين في العالم العربي في الوقت الراهن في موقف متضاد، ما يجعل الحديث عن دور عربي جماعي مشترك في تسوية الأزمة السورية بعيد عن الآمال والطموحات، على الأقل في ظل المعطيات الراهنة.
أدرك أن تعقيدات المشهد العربي بأزماته الطاحنة، قد أسهمت في وجود مساحات تباين عميقة بين المصالح الاستراتيجية للدول العربية، وأدرك أيضاً أن هناك حالة من الاستقطاب الدولي والاقليمي تجعل من الصعب على العواصم العربية المؤثرة البقاء ضمن أرضية واحدة أو مشتركة في وجهات النظر حيال هذه الأزمات، كما أدرك أن هناك صعوبة بالغة في تقريب وجهات النظر حيال مسائل بعينها مثل مستقبل النظام السوري وغير ذلك، ولكني أثق تمام الثقة أن الحفاظ على مكتسبات الشعوب العربية وامتلاك زمام المبادرة في تسوية الأزمات الاقليمية يمثل أولوية لا شك فيها لدى قيادتي البلدين الشقيقين.
الأمر يتطلب أولاً وأخيراً برأيي ضرورة ردم الفجوات القائمة في المواقف ووجهات النظر بين العواصم العربية الكبرى؛ ففي العلاقات الدولية والاقليمية، من الوارد وجود الدول ضمن مربع واحد في حسابات المصالح الاستراتيجية تجاه ملف ما لوقت ما، ولكن من الصعب ضمان البقاء ضمن هذا المربع طيلة الوقت، وهنا تطفو على السطح قائمة الأولويات وحسابات الربح والخسائر، بحيث يمكن التوصل إلى نقطة التوازن الدبلوماسية، حيث لا غالب ولا مغلوب في عمليات الشد والجذب السياسية.
في مثل هذه المواقف المصيرية، لا يبدو الانتصار لأي ومن وجهات النظر نوع من الحصافة ولا العقلانية السياسية، فما بالنا ونحن نتحدث عن دولتين شقيقتين هما عماد منطقتنا العربية، وليس من مصلحتنا جميعا الانخراط في أي جدل حول
هذا التباين لسبب بسيط هو مقدرة القيادتين، المصرية والسعودية، على معالجة مثل هذه الفجوات العابرة في علاقات البلدين الشقيقين، ومن يتحدث عن صدامات محاور جديدة وغير ذلك من التحليلات لا تعبر سوى عن تحليق في فضاء الأمنيات والتمنيات، ومن يتعمق في موقفي البلدين يدرك بسهولة أن هدفهما الاستراتيجي واحد وهو الحفاظ على مصالح الشعب السوري، ووحدة وتماسك أراضي الدولة السورية، ولكن التباين يبقى على المستوى التكتيكي وفقا لحسابات كل طرف ومنطلقاته.
واعتقد أنه أياً كان التباين المصري السعودي حول الملف السوري، فإن علاقات البلدين الشقيقين أعمق من هذا الملف بمراحل، وأن مساحات التوافق في الملفات المشتركة تبقى أكبر من مساحات التباين، ولكن سخونة الملف السوري بتطوراته المتسارعة تسلط الضوء على أي تطورات بشأنه، وتدفع وسائل الاعلام والمتخصصين إلى مناقشة تفاصيله كافة بما فيها ما يتعلق بالموقفين المصري والسعودي، ناهيك عن تنظيمات الارهاب، وتحديداً جماعة الاخوان المسلمين، التي تمتلك آلة إعلامية لا هم لها ولا أولويات في الفترة الأخيرة سوى صب الزيت على النار في أي تطورات تتعلق بالمواقف المصرية والسعودية حيال الأزمات الاقليمية سعياً وراء إشعال أي شرارة لعلها تتسع وتلتهب لتصيب الهدف المرجو لهؤلاء الارهابيين والحاقدين.
وبغض النظر عن رؤى الباحثين والمتخصصين والمراقبين في تقنيد تصريحات المسؤولين المصريين والسعوديين حول وجود خلافات في مواقف البلدين حيال الأزمة السورية من عدمه، فإن ما يهمني على أي حال أن مستوى التنسيق والتعاون والتشاور بين العاصمتين العربيتين الكبيرتين لم يتغير، وهذا بحد ذاته ضمانة كافية لتجاوز أي عثرات أو معالجة أي هفوات أو اختلافات وليست خلافات في وجهات النظر.
العلاقات المصرية السعودية أعمق من أن تتاثر باختلاف في وجهات النظر حيال أزمة بعينها، ويسىء للقوتين العربيتين معاً من يتناول العلاقات بينهمات في إطار تبعية طرف لآخر، أو انخراط طرف منهما في محور اقليمي أو دولي ما انخراطاً يضر بمصالح الطرف الآخر، ولكن المأمول، أن تنجح القيادتان المصرية والسعودية في تقريب وجهات النظر، وتجاوز أي تباين في الرؤى حيال تسوية الأزمة السورية، لأن شعوبنا العربية باتت في حاجة ملحة إلى جبهة عربية موحدة ومتماسكة للخروج من دوامة الأزمات المعقدة، والافلات من فخ المؤامرات والمتآمرين، الذي يحاك لبعض دولنا، من داخلها وخارجها على حد سواء.